26 سبتمبر 1962م.. الثورة التي لا تموت
جميل العمراني
سيظل يمن السادس والعشرين من سبتمبر واقفا على قدميه، مهما توالت الطعنات في خاصرته، وسيبعث كالعادة فتيا أبيا، لا تفارق عيون طموحاته وأحلامه الآفاق.. ثورة السادس والعشرين ليست حدثا عابرا، ولم يشع نورها لفئة أو جماعة أو منطقة أو حزب، وإنما تمثلت شعبا كبيرا رفض البقاء معزولا في ظلام الكهنوت والظلم والجهل، فحمل راية هذه الثورة المجيدة التي ستظل ترفرف إلى الأبد..
يعرف خصوم هذه الثورة العظيمة قبل عشاقها أن محاولة تشويه هذا الميلاد المجيد لليمن واليمنيين، إنما هي عبث لا نتيجة له أكثر من تلقي اللعنات، لعنات الشعب وقبلها لعنات التاريخ.. وأيا كان من يفعل ذلك، فإنه لا يختلف إطلاقا عمن يحاول أن يطمس أو يموه نقشا حميريا محفورا في صخرة بممحاة قلم رصاص..!!
سبتمبر المجيد أكبر وأسمى منا جميعا وأبعد من أن ينال منه نائل أيا كان ومهما بذل.. لأنه حقيقة تشربتها عن قناعة وإيمان أفئدة أجيال من اليمنيين واصطبغت بها دماؤهم، حتى أدمنوا عشقها الرفيع الذي لا يمكن التنصل منه.. وكيف يتنصل حي عن سبب حياته..؟!
سبتمبر كان إشراقة صباح مفعم بالتفاؤل بعد طول ظلام بدا وكأنه الدهر كله تحت سلطة الجور والأنانية والجهل والفقر.. لقد كانت نجاة من وباء الإمامة القاتل، الإمامة التي تعمدت وظلت تتعمد عزل هذا الشعب عن العالم، ليستمر تسلطها عليه وشغله بتأليه الإمام واعتبار عصيانه عصيانا لله..!!
كانت حياة اليمنيين مظلمة، لولا تحقق هذه الثورة التي حررت الشعب من قيود ومراود الإمامة الباغية، لذا فإنه من الخيال وأبعد من الخيال أن يعمل النسيان سياطه في ظهر ذلك الحدث العظيم، كما تراءى ويتراءى في خيال العصابات والجماعات والمليشيات التي حاولت وتحاول قتل الروح السبتمبرية الوثابة التي سكنت الأجيال المتعاقبة، حتى من لم يشهد الثورة منها..!!
كان وما يزال التاريخ مدونا أمينا وحكاء ماهرا وهو ما اتسم به جيل الثورة أيضا، وكانت المقارنة بين ما قبل وبعد سبتمبر العظيم كفيلة بأن تخلق داخل الجيل الأول الرعب من عودة الماضي المؤلم لليمنيين، فظلوا يحكون ويصفون ويبكون ويفرحون، حتى أنشأ أساهم واحتفالهم معا حالة ثورية مستمرة لدى الأجيال التالية تمثلت في الحفاظ على منجز الثورة والامتنان له على كل شيء أدركوه وتنعموا به من منجزاته الكبيرة..
كل هذا يجعلنا نثق ثقة مطلقة بأن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ما تزال تتنفس بيننا، ومن الصعب خنق روحها التي ستظل فتية وجموحة وطامحة، وأن أهدافها لم تعد مجرد أهداف حدث ثوري مضى قبل أكثر من ستبن عاما، وإنما هي أهداف أساسية لاستمرار حياة اليمن واليمنيين وستظل كذلك للأبد