من هو بافيل دوروف الملياردير روسي الأصل الموقوف في فرنسا بسبب تطبيق تيلغرام؟
سال الكثير من الحبر في الأيام القليلة الماضية عن مصير مالك منصة تيلغرام الروسي بافيل دوروف (39 عاما) الموقوف بأمر من القضاء الفرنسي. فهناك من يرى فيه زعيما يدافع عن حرية التعبير ويرفض أن يقدم معلومات عن مستخدمي التطبيق، فيما يعتبر البعض الآخر أنه يسير وفق تعليمات موسكو وفرنسا. فمن هو هذا الملياردير الذي بلغت ثروته أكثر من 15 مليار دولار؟
لم يتوقع بافيل دوروف (39 عاما) مؤسس تطبيق المراسلة تيلغرام ومديره التنفيذي أن يحتل العناوين الكبرى للصحافة العالمية والفرنسية، خاصة وأنه لا يحب الظهور كثيرا في وسائل الإعلام ولا على منصات التواصل الاجتماعي.
هذا الرجل الذي عرف صعودا مذهلا في مجال التكنولوجيا وعالم الأعمال، مددت فرنسا مدة احتجازه بعدما قامت بتوقيفه السبت الماضي أثناء وصوله إلى مطار "لوبورجيه" في ضواحي باريس على متن طائرته الخاصة، قادما من باكو عاصمة أذربيجان.
أما المدعية العامة الفرنسية في باريس لوري بيكو، فشرحت أن توقيف مؤسس تطبيق تيلغرام الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية منذ 2021 "يدخل في إطار جزء من تحقيق بانتهاكات مختلفة متعلقة باستغلال الأطفال في مواد إباحية والاتجار بالمخدرات ومعاملات احتيالية على تطبيق المراسلة المشفر".
© فرانس 24
من جهتها، قدمت الإمارات العربية المتحدة طلبا إلى فرنسا "لتقديم كافة الخدمات القنصلية لدوروف بشكل عاجل"، نظرا لتمتعه بالجنسية الإمارتية أيضا. فمن هو هذا الملياردير التي قيمت مجلة "فوربس" الأمريكية ثروته الخاصة بـ15,5 مليار دولار؟
من منصة "فيكونتاكت" إلى تيلغرام، مسيرة مذهلة في عالم التكنولوجيا
ولد بافيل دوروف في مدينة سان بطرسبورغ الروسية حيث درس وترعرع . وبعد أن أنهي دراسته، قرر مع شقيقه نيكولاي دوروف في 2006 إطلاق منصة اجتماعية تشبه تطبيق "فيس بوك" تحت مسمى "فيكونتاكت".VK
ولم ينتظر كثيرا ليحصد ثمرة جهوده إذ استطاع أن يستقطب في مدة زمنية وجيزة أكثر من 100 مليون متابع. وكان هذا النجاح بمثابة نقطة بداية المشاكل مع السلطات الروسية التي حاولت مرار أن تتحكم في هذه المنصة، دون جدوى.
اقرأ أيضاالادعاء الفرنسي يكشف أسباب توقيف مؤسس تيلغرام وارتباطها بنشر مواد إباحية وتجارة مخدرات
لكن هذه المحاولة من النظام الروسي كانت بمثابة إنذار حقيقي له. لذا قرر مغادرة البلاد في 2014 بعد رفضه لمطالب الكرملين بإغلاق مجموعات معارضة على شبكة التواصل الاجتماعي "VK"، التي أسسها عندما كان يبلغ من العمر 22 عاما.
ترك المنصة بعد نزاع مع مالكيها المرتبطين بالكرملين وحول تركيزه إلى تيلغرام الذي أسسه مع شقيقه نيكولاي في عام 2013. وأبرز الخصائص لهذا التطبيق هو كونه مشفر لمنع تسريب المعلومات والرسائل المتبادلة عبره.
بافيل دوروف شخصية عالمية
يستخدم تيلغرام حوالي 950 مليون شخص. ويتوقع أن يصل هذا العدد في نهاية هذه السنة أو بداية السنة المقبلة إلى مليار شخص.
فيما تحول أيضا التطبيق إلى مصدر إعلامي مهم، لا سيما في الحرب الروسية على أوكرانيا كونه يستخدم من قبل الجيشين الروسي والأوكراني في تبادل الرسائل ونشر المحتويات المتعلقة بالحرب. هذه الإقبال الكبير الذي وجده في البلدين جعل جريدة "لوفيغارو" تصف تطبيق تيلغرام بأنه "ساحة حرب افتراضية".
يعيش بافيل دوروف بين ألمانيا، وإمارة دبي، وبريطانيا، وفرنسا. وهو في تنقل دائم بين هذه الدول. ولقي تطبيق تيلغرام رواجا كبيرا في روسيا وأوكرانيا وبعض دول شرق أوروبا المحسوبة سابقا على النظام السوفياتي.
هذا، وقالت فيرا غراندسيفا، وهي محللة سياسية روسية في حوار مع قناة "إل سي إي" الفرنسية "لقد درست مع دوروف في نفس الجامعة بمدينة سان بطرسبوغ وكان في حينها يهتم كثيرا بقضايا الاتصال وقام بإطلاق تطبيق يسمح للطلبة بأن يتفاعلوا فيما بينهم".
هل تعامل دروف مع السلطات الروسية لأهداف اقتصادية؟
وأضافت: "عندما أقرأ التعليقات الروسية المنددة بالتصرف الفرنسي، أشعر بالخجل لأن الحقيقة هو أنه هرب من روسيا. لكن أعتقد أنه بعد العام 2021 بدأ نوعا ما يتعاون مع النظام الروسي عبر غلق مثلا بعض الحسابات للمعارضين السياسيين لبوتين إضافة إلى أنه قدم بعض المعلومات عن معارضين آخرين تم توقيفهم فيما بعد من قبل الأمن الروسي".
وأنهت: "في نهاية المطاف، أعتقد أن بافيل دوروف قبل بعض قواعد اللعبة التي أراد الكرملين فرضها. إذ أصبح يتقاسم بعض المعلومات معه لكن دون أن يفصح بكل الأسرار التي يعرفها". وهو ما نفاه بافيل دوروف شخصيا خلال حوار أجراه مع الصحافي الأمريكي الشهير كارلسون تاكر الذي عمل لغاية 2023 في قناة "فوكس نيوز" الأمريكية.
وقال الشاب الروسي للصحافي الأمريكي: "أفضل أن أكون حرا بدلا أن أتلقى أوامر من أي شخص كان". أما جريدة "لوفيغارو" فشرحت أن الشاب الروسي أسس منصة تيلغرام بسبب الضغوطات التي كان النظام الروسي يفرضها عليه، مقررا في نفس الوقت عدم البقاء في روسيا والتنقل بين دولة وأخرى إلى غاية أن استقر في دبي في 2017 لأسباب تتعلق بحرية الاستثمار.
بافيل دوروف الرجل الذي يريد أن يبقى حرا
وعلى الرغم من ثروته المالية التي بلغت أكثر من 15 مليار دولار، إلا أن بافيل دوروف أكد للصحافي الأمريكي كارلسون توكر أنه عدا عن الأموال وعملة "بيتكوين"، فإنه لا يملك عقارات كثيرة ولا يخوتا ولا طائرات وهذا لسبب واحد وهو أنه يريد أن يبقى دائما حرا.
هذا، ولا يرى الملياردير الروسي الشركات الأمريكية العملاقة أمثال "أبل "وغوغل على أنها منافسة لشركته فحسب بل كشركات تهدد حرية التعبير والرأي.
وقال في هذا الشأن في أبريل/نيسان الماضي في وسائل إعلام أمريكية: "هاتان الشركتان (يقصد غوغل وآبل) بإمكانهما أن تفرضا الرقابة على ما تقرؤون وعلى كل المعلومات التي يمكن أن تجدوها على الحاسوب المتنقل أو على الهاتف النقال".
أما الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الجزائري مراد كواش فأكد أن مستخدمي منصة تيلغرام الذين تجاوز عددهم 900 مليون شخص هم الذين يضمنون له إيرادات مالية كبيرة"، إضافة إلى تسويقه لمساحات إعلان لشركات عالمية كبرى.
لماذا إيلون ماسك حر ودوروف رهن الاعتقال؟
وفي سؤال كيف تحول دوروف إلى خصم لبوتين، أجاب أن سبب ذلك هو رفضه أن يرضخ للضغوطات التي مورست عليه من طرف سلطات موسكو خاصة بعد بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا. إذ رفض مثلا حسبه "تقديم معلومات لبوتين عن بعض مستخدمي تطبيق تيلغرام باسم الحيادية وحرية الرأي" وفق الخبير الجزائري.
هذا الأخير، توقع نموا أكبر لمنصة تيلغرام بعد كل ما حدث لمالكها، مضيفا أن "جميع المشاكل التي يتعرض إليها في فرنسا وفي مناطق أخرى من العالم ستعود عليه بالإيجاب". فعلى سبيل المثال، "شاهدنا زيادة حالات التعاطف معه في روسيا والعالم ومن قبل رواد السياسة والشعوب".
وانهى مراد كواشي: "أعتقد أن الأوربيين سيتعاطفون أيضا مع بافيل دوروف، لأنهم يعتقدون أن عملية التوقيف هذه هي عبارة عن مؤامرة على حرية التعبير في أوروبا. فكيف نفسر مثلا أن إيلون ماسك حر ومارك زوكربرغ حر في حين يتم اعتقال دوروف لنفس الأسباب.
طاهر هاني