ثورة 26 سبتمبر.. محطة تاريخية يمنية ترسم ملامح أول نظام جمهوري في شبه الجزيرة العربية

شكّلت ثورة 26 سبتمبر 1962، أهم محطات التاريخ اليمني ومثّلت خطا نظريا أَسست معالمه تشكيل ملامح الدولة اليمنية ونظامها الجمهوري، كأول جمهورية في شبه الجزيرة العربية. انفتحت سياسياً منذ وقت مبكر لقيامها وكانت الديمقراطية في حتى في مراحل نشأتها هي السبيل للوصول إلى السلطة، وان لم تكن عبر انتخابات مباشرة يشارك فيها الشعب، إلا أنه كان يشارك فيها من يمثل هذا الشعب، سواء عبر المجالس الثورية والجمهورية.

كما تعتبر ثورة 26 سبتمبر، أهم وأعظم الثورات اليمنية الخالدة، والتي كان قرارها شعبي خالص، سعياً في التحرر من أسوأ العهود الاستبدادية والدكتاتورية في البلاد، بفعل أسوأ نظام كهنوتي سلب اليمنيين حريتهم، ونهب حقوقهم، وامتهن كرامتهم.

جاءت هذه الثورة الشعبية، لتلغي إرثا متراكما لعقود من تلك الحقبة من العبودية، والطبقية، وامتهان آدمية الشعب التي حاولت انظمة الأئمة السلاليون جاهدة على تكريسه في ذهن الإنسان اليمني طيلة فترة حكمها، قبل أن يذوي وتسحقه عزيمة الثوار الأحرار، وتوقّع على انقاضه في صفحة بيضاء صبيحة 26 سبتمبر من العام 1962 ولادة عهد جديد، أساسه العدل والمساواة والحرية..

منذ ولادة النظام الجمهوري، من رحم ثورة شارك فيها جميع أبناء الشعب، وكل في مجاله، وان كان قادتها هم من رسموا ملامحها، وسطروا بدمائهم الزكية خطوطها العريضة، تحقق للشعب الكثير والكثير من المنجزات، رغم المعوقات التي استمر بوضعها الملكيون المتحولون في النظام الجمهوري المتسامح، في مساع منهم لتشويه هذه الثورة ومنجزاتها، ولذا تجدهم اليوم يسعون إلى تشويهها وهتك عرضها، بعد أن عادوا إلى سدة الحكم على ظهر انقلاب مليشاوي سفك الدماء، وصادر الحقوق والحريات، ونهب وفجّر الممتلكات، واقتاد الآلاف إلى الزنازن بينهم نسوة وفتيات، بناء على تهم كيدية هي من صناعته.

اليوم، وبعد عقد من الانقلاب السلالي بتاريخ 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وتجدد القمع والممارسات العنصرية وحملات الاعتقالات بمجرد الاختلاف في الرأي، والنهب المنظّم للثروة، والانفراد بالحكم بمزاعم الحق الإلهي.. وغير ذلك، زاد من تمسّك اليمنيين بثورتهم من تلقاء انفسهم، وأسهم في تغذية الحمية الثورية بذواتهم، إيماناً منهم بأن الحرية لا تُشترى.

وهج ثوري

الوهج الثوري الشعبي، والذي كان ردة فعل عفوية لدى ملايين اليمنيين، وبمختلف أعمارهم وتوجهاتهم السياسية، بيتهم مسنون وأطفال وفتيات، أصاب المليشيا الحوثية السلالية بالجنون، ودفعها لشن سلسلة حملات اعتقالات هستيرية، دون مبرر إلا من اهتمامها لهم (الدعوة للاحتفال بالعيد الوطني الـ62 لثورة 26 سبتمبر)، وهي بذلك تدين نفسها واجرام سياستها وحكمها في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

المليشيا الحوثية، وبعد أن لاقت إدانات واسعة تجاه حملات الاختطافات التي شنتها، سعت إلى دفع مطابخها الاعلامية، بضخ سيل من الأكاذيب اقلها سفورا هي مزاعم: (نية الدعاة إلى الاحتفال بالعيد الوطني، اقامت اعمال تخريبية بالممتلكات العامة والخاصة) وهي بهذه المزاعم تحاسب الشعب بمجرد "نية" غير ملموسة، وتصادر حقوقه بدلا من حمايته أثناء مزاولتها، ومن ثم تعمل على محاسبة كل من يثبت ضده ارتكاب مخالفات قانونية. كل ذلك زاد من موجة السخط الشعبي خصوصا وأن الاعتقالات طالت المئات من القيادات السياسية والشخصيات الاجتماعية والناشطين والمواطنين.

مراقبون، في حديث لوكالة "خبر"، اعتبروا الاشاعات الحوثية وإضمار نوايا سيئة تجاه أبناء الشعب لمجرد الدعوة إلى الاحتفال بالعيد الوطني 26 سبتمبر، يزيد من حالة الاحتقان الشعبي ضد الحوثيين، ويضاعف من وتيرة التصعيد تجاه أساليبها القمعية.

ولفتوا إلى أن مصادرة حقوق وحريات الشعوب، وتسويق الوهم والأكاذيب لم يعد مجديا في ظل تنام الوعي المجتمعي، وليس من صالح الحوثيين (سلطة الأمر الواقع)، في ظل قمعهم المتجدد ونهبهم المستمر للموارد، والاستمرار برفض تقديم ابسط الحقوق بينها دفع المرتبات المتأخرة لأكثر من ست سنوات، وفرضهم جبايات لتمويل أنشطة ومناسبات طائفية، دون مراعاة الوضع المعيشي المتدني في ظل استمرار الحرب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية لأكثر من عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل الإنقلاب.

واشاروا، إلى أن الحكم الحوثي، المستنسخ من حكم ذات الإمامية لعقود ما قبل ثورة 26 سبتمبر 196، يضاعف من فرص الإطاحة بالمليشيا، ولذا تسعى هذه المليشيا إلى مواجهة الزخم الثوري والصحوة الشعبية ولكن بإرباك شديد نظرا لعدم قانونية ممارساتها، ما يجرّها إلى ارتكاب مزيد من الجرائم.

ويجمع الكثير من الناشطين على أن انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية، جعل من ثورة 26 سبتمبر عقيدة راسخة لدى اليمنيين، بانها النور الذي بدد ظلام ذلك الكهنوت الذي تجدد على أيدي الحوثيين.

ثالوث الجهل والفقر والمرض، الذي كان يرويه الآباء والأجداد لحقبة الحكم الإمامي البائد، كان يعتبره الأبناء ضربا في الخيال ومن حكايات الأساطير، حتى تجدد على يد مليشيا الحوثي، وبات واقعاً ملموساً، فأصبحت الإطاحة به خيارا لا رجعت عنه، والبداية من التمسك بالثورة السبتمبرية التي استأصلت هذا الطاعون من جسد الشعب.

وتظل ثورة 26 سبتمبر خالدة أبد الذكري، في قلوب وافئدة ملايين اليمنيين، رغم المحاولات الحوثية البائسة في تهميشها، غير مدركة أن الشعوب الحية لا يمكن لها أن تستكين أمام الصلف والاستبداد، ولعل الزخم الشعبي تجاه احياء العيد الوطني الـ62 لثورة 26 من سبتمبر، هو الدرس الذي يجب أن يتعلم منه الانقلابيين.