سبتمبر أيلول ثورة على دربها نمضي
إن الحديث عن ثورة السادس والعشرون من سبتمبر المجيدة لا ينتهي ولن ينتهي، لأنها ثورة الشرفاء وقبلة الثوار الذين انتفضوا ضد الحكم الامامي البغيض، ثورة حققت حلم اليمنيين ورفعت رأس الأمة العربية عالياً، ثورة فرضت نفسها على الوجدان الإنساني عامة والعربي خاصة، وأضحت حديث العام والخاص، وإذا كان الشعراء أكثر الناس إحساساً وشاعرية فقد جاءت قرائحهم بأجود الأشعار تمجيداً لثورة سبتمبر الخالدة، ووجد الشعراء اليمنييون والعرب في ثورة السادس والعشرون من سبتمبر معيناً لاينضب للتعبير عن مشاعرهم بالكلمة مع أبطال ثورة سبتمبر، فاندفعوا يمجدونها تارة ويتغنون بها تارة أخرى، وقد زلزلت ثورة سبتمبر مشاعر الناس من اليمن حتى بغداد، ومن مصر حتى المغرب، ومن الولادة حتى البعث والنشور.
تمر الأزمان وتتوالى الأحداث والسنين، وتبقى ذكرى ثورة السادس والعشرون من سبتمبر المجيدة نقية نابضة متوهجة في نفوس اليمنيين، لا تمحوها نكبات العصور ولا عثرات الدهور، ثورة جاءت لإسترداد كرامة الإنسان اليمني ورفع الظلم عنه، ثورة ولدت لتبقى شعلة تُنير دروب الأحرار وتشق طريقها للخلود الأبدي، إنها ملحمة تاريخية يتعجب منها المرء كيف توافر لها الخلود طوال هذه السنوات التي تجاوزت الـ61 وهاهي تحل علينا بذكراها الـ 62 عام رغم سيوط الجاحدين وسيوف الحاقدين، إذ لم تُخلد أي ثورة أخرى مشابهة لها حتى يومنا هذا وهذا هو سر الخلود.
إن المتتبع لجوهر هذه الثورة يعلم أن السر الأعظم لهذه الثورة يتمحور في شخصية قادتها وعظمتهم، ولا عجب في ذلك، فقد غدت ثورة سبتمبر الخالدة مغذية لمعظم المحطات التي مر بها اليمن، مُستلهمة روح الفداء والتضحية في سبيل تحقيق الهدف المنشود الذي ظل راسخاً في كل مناحي الحياة، ولم ينسى اليمنييون ثورة أجدادهم الخالدة لحظة واحدة، بالرغم من مضي أكثر من ستون عاماً على اندلاعها، ورغم الظروف التي يعيشها اليمنييون اليوم في ظل الاحتلال الامامي البغيض، إلا أنهم يستذكرون ثورتهم التي ارعبت الاماميون الجدد، رغم التفاوت الكبير بين حقبة الأمس واليوم.
وحقيقة عندما قرأت التاريخ، كنتُ في مواجهة يومية وملحة مع سؤال: كيف تحمل اليمنييون كارثة ما جرى في ٢٠١١م و ٢٠١٥م مع تبعاتها التي لا تُطاق؟ ولكني الآن أشهد رغماً عني أقبح مؤامرة على ثورة السادس والعشرون من سبتمبر، وعلى أشد حقبة مُذلة للعقل، وأسوء انتكاسة للضمير ونحن نرى ذيول الملكية يقمعون الأحرار ويسحلون الأبطال والشبان لمجرد الحديث عن ثورة أجدادنا العظمية، أعرف أن التاريخ قد يُعيد نفسه في محطات خُذلان عديدة لكنني أرفض أن أعيش التاريخ مرتين ليقيني المُطلق أن سبتمبر شُعلتها لن ولن تنطفي وستنتصر حتماً، قولاً وعملاً.
وبمناسبة ذكرى الثورة وقيام الجمهورية العربية اليمنية، تأبى الجمهورية اليمنية أن تتنازل عن شرفها وأن تتحول إلى مادة استهلاكية أو فكرة عابرة، ولذا يتوجب علينا العودة إلى البدايات التي شكلت لحظة الدولة التاريخية لليمن الموحد لكي نستمد منها روح الثورة والنضال والحرية.
إن روح الجمهورية اليمنية تنبثق من روح ثورة سبتمبر التي أكدت على المساواة بين المواطنين، حيث كان شمال اليمن معزولاً اجتماعياً واقتصادياً، فبالرغم من تمتع اليمنييون بسمات مشتركة آنذاك، إلا أنهم لم يكونوا شعباً واحداً بالمعنى الدقيق للمفردة، كانت المجتمعات داخل المدن منغلقة على نفسها، فضلاً عن الاختلاف الجذري بين عالم المدن والمناطق القبلية، حتى جاءت نقطة الالتقاء الأولى بين أبناء الشعب، في لحظة اندلاع " ثورة سبتمبر الخالدة " وبغض النظر عن ما تتعرض له ثورتنا اليوم من محاولات فاشلة لتصفيتها إلا أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية التي عاشها آبائنا وأجدادنا ويعيشها الأحفاد جيلاً بعد جيل.
إذ تمر علينا غداً ذكرى ٦٢ عام على قيام الجمهورية العربية اليمنية وثورة سبتمبر المجيدة التي نعرفها الآن جيداً، وأستطيع أن أقول بكل فخر واعتزاز " كل عام وأنت بخير يايمن " فقد تحضر في ذهني الآن وصية الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح الأخيرة المليئة بالمرارة والتي أظهر فيها شعوراً عميقاً بالحَسرة وهو يحاول أن يوجد لنا روح وطنية يمنية خالصة لخصها بالوصايا العشر.
بلاشك ظل اليمن مؤخراً مثل أرجوحة معلقة بين حربين، يدفعها الهواء بقوة نحو الفراغ، بينما لم نزل مدفوعين بالأمل نغني أمام الرياح العاتية ( رددي أيتها الدنيا نشيدي، ولن ترى الدنيا على أرضي وصيا )