كيف تجند الـ CIA جواسيسها حول العالم عبر الإنترنت؟

علم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية/ رويترز

أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حملة جديدة لتوظيف جواسيس محتملين في الصين وإيران وكوريا الشمالية بعد حملة تدعي واشنطن أنها كانت ناجحة لتجنيد الروس.

وهذه ليست أول مره، فوكالات الدفاع والتجسس الأميركية لعبت دوراً رئيسياً في إنشاء الإنترنت، تحولت منذ سنوات إلى خدمات البث عبر الإنترنت لتجنيد جواسيس تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً.

حملة أمريكية جديدة لتجنيد الجواسيس

تأتي حملة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) الجديدة بعد إدعاء نجاح حملة سابقة ركزت على روسيا، حيث تسعى الوكالة إلى التواصل مع الأفراد الذين تعتقد أنهم غير راضين عن حكوماتهم، خصوصًا في ظل تعزيز التعاون بين الصين وروسيا وإيران.

في بيان صدر يوم 29 سبتمبر، أعلنت الوكالة عن نشر إرشادات متعددة اللغات تشمل الصينية والكورية والفارسية عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل تيليجرام، فيسبوك، إكس (تويتر سابقًا)، إنستغرام، لينكدإن، ويوتيوب، بهدف تسهيل التواصل الآمن مع الوكالة سواء عبر الإنترنت العام أو الشبكة المظلمة.

هذه الحملة ليست جديدة، إذ بدأت الوكالة منذ سنوات باستخدام الإنترنت لتجنيد عملاء بطرق أكثر تطورًا. وفقًا لتقرير نشرته رويترز عام 2020، تحولت الـCIA إلى استخدام خدمات البث عبر الإنترنت مثل نتفلكس وأمازون لتجنيد جواسيس تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا، في خطوة تعكس تغيرًا ملحوظًا في أساليب التجنيد التقليدية.

إذ يعتقد الخبراء أن هذه الحملات تعكس التطور المستمر للتجسس بالتوازي مع التكنولوجيا الحديثة.

كيف كانت تجندهم في السابق؟

في الماضي، اعتمدت وكالات الاستخبارات حول العالم بشكل رئيسي على أساليب تقليدية في عمليات التجسس وجمع المعلومات، بما في ذلك إرسال رسائل إلكترونية مستهدفة، تنظيم مؤتمرات علمية، أو عبر عروض وظائف وهمية، وحتى من خلال اللقاءات المباشرة مع ضباط الاستخبارات.

كانت هذه الأساليب تهدف إلى استقطاب الأفراد وجمع المعلومات التي تساهم في تشكيل السياسات الحكومية.

فعلى سبيل المثال، أنفقت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) ملايين الدولارات لتنظيم مؤتمرات علمية في أنحاء مختلفة من العالم، بهدف جذب علماء نوويين إيرانيين إلى بيئات يسهل فيها التواصل معهم بشكل سري ودفعهم للانشقاق.

إذ كان بعض المؤتمرات تنظم فقط من أجل إغراء العلماء النوويين الإيرانيين بالخروج من وطنهم إلى مكان يسهل الوصول إليه، حيث يستطيع ضباط الاستخبارات الأميركية الاقتراب منهم بشكل فردي وحثهم على الانشقاق.

فعل سبيل المثال، تم تجنيد مهندس إيراني، عمل في تجميع أجهزة الطرد المركزي للبرنامج النووي، وافق على الانشقاق بشرط متابعة درجة الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). رغم عدم امتلاكه وثائق رسمية، ضغطت وكالة الاستخبارات المركزية على MIT لقبوله. وبعد استجواب شفوي من قبل لجنة أساتذة، تم قبوله وحصل على درجة الدكتوراه.

ففي عهد الرئيس جورج دبليو بوش، كانت الحكومة الأميركية تمتلك "أموالاً لا حصر لها" لتمويل الجهود السرية الرامية إلى تأخير تطوير إيران للأسلحة النووية.

وبحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان في تقرير لها، فإن المعلومات الاستخباراتية التي يتم جمعها من المؤتمرات الأكاديمية قادرة على تشكيل السياسات. فقد ساعدت في إقناع إدارة جورج دبليو بوش عن طريق الخطأ كما اتضح ــ بأن صدام حسين ما زال يطور أسلحة الدمار الشامل في العراق.

ورغم أن هذه وسائل ما زالت تعمل، إلا أن الأمور لم تعد تسير على هذا النحو بشكل صحيح دائماً، لأسباب عديدة، مثل الحروب وتصاعد العداوة الصريحة اليوم، وفقاً لما أشار إليه الخبراء.

ففي روسيا على، منذ بداية حرب أوكرانيا، طردت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون مئات الدبلوماسيين الروس احتجاجًا على الحرب. وردت روسيا بطرد مئات الدبلوماسيين الغربيين في تحركات متبادلة. ونتيجة لذلك، اضطرت السفارات الأمريكية وغيرها من السفارات الغربية إلى الحد بشكل حاد من الخدمات، مما يجعل من الصعب التواصل المباشر مع الولايات المتحدة.

أما في الصين، فقد أصبح تجنيد العملاء الصينيين، أو حتى مقابلتهم، أكثر خطورة من أي وقت مضى. إذ يستخدم نظام المراقبة الشامل في بكين تحليلات البيانات الضخمة لاستخراج البيانات من ملايين الكاميرات في المدن الكبرى، إلى جانب جيوش من المراقبين البشريين.

فوفقاً، لتقرير لصحيفة The wall street journal كانت تستغل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الفساد المتفشي في المراكز العليا للحزب الشيوعي والوزارات الحكومية لتجنيد العشرات من المسؤولين كعملاء مدفوعي الأجر، كما قال مسؤولون سابقون مطلعون على الأحداث.

ولكن في انتكاسة كارثية، تم القضاء على هذه الشبكة عندما ألقت الصين القبض على الخونة في وسطها واحدا تلو الآخر.

قال مسؤولون سابقون إن الخلل في الاتصالات السرية التي أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية مع عملائها، والتي استغلتها بكين، هو السبب المشتبه به وراء الاختراق. ولم تُعرف تفاصيل ما حدث علناً، ومن غير الواضح ما إذا كان أي شخص في الوكالة قد خضع للمساءلة.

وقال مسؤول أميركي كبير سابق عن الخسائر في الصين: "مروعة. مروعة. مروعة. ولدي شكوك حول ما إذا كان هناك قدر كبير من التعافي منذ ذلك الحين".

في السنوات الأخيرة، تحولت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) إلى أساليب دعائية مبتكرة لاستقطاب العملاء، متجاوزة الأساليب التقليدية. في حملة عام 2020، أطلقت إعلانًا تلفزيونيًا يظهر فيه ضابط من الوكالة يشير إلى أن "قطعة واحدة من الاستخبارات يمكن أن تغير كل شيء."

وفي عام 2021 أطلقت الوكالة موقعاً إلكترونياً جديداً، قالت أنها تسعى من خلاله إلى تجنيد جواسيس متميّزين من كل الخلفيات، وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن الموقع الجديد للوكالة يتضمّن روابط لتصفّح وظائف كاملة فيها، مع الرواتب والمتطلّبات، وأقساماً عن العمل في الوكالة، وعملية مبسّطة لتقديم طلب انتساب.

وبحلول 2022، استمرت الوكالة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت تعليمات باللغتين الإنجليزية والروسية حول كيفية الوصول إلى موقعها على الشبكة المظلمة باستخدام متصفح "تور"، المخصص لضمان الخصوصية وإخفاء الهوية، مما يتيح للروس إمكانية التواصل معها بأمان.

في عام 2019، أنشأت الـCIA موقعًا على "الويب المظلم" ليكون وسيلة تواصل آمنة للمستخدمين الباحثين عن الخصوصية، بما في ذلك الصحفيين والمعارضين السياسيين. وتواصل الوكالة استخدام هذه الأدوات الرقمية، حيث أطلقت في 2024 حملة جديدة تستهدف الروس العاملين في الاستخبارات الروسية، محرضة إياهم على التعاون بسبب الفساد وسوء التجهيزات في بلادهم.

ظهر في أحد الفيديوهات الترويجية، رجل روسي يتحدث عن وطنيته وإحساسه بالخيانة من قبل نظامه، بينما يحث الروس على التواصل مع الـCIA كوسيلة للتعبير عن تلك الوطنية. الفيديو، المصحوب بموسيقى مؤثرة وأجواء شتوية روسية، تم نشره عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، مثل فيسبوك وX وتيليجرام، ما يعكس مدى تطور استراتيجية الوكالة في الوصول إلى جمهورها المستهدف.

هل الأساليب الجديدة في التجنيد فعالة؟

الأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة فحسب؛ فالصين أيضًا تستخدم وسائل مواقع التواصل الاجتماعي مثل LinkedIn للاتصال وتجنيد مسؤولي الاستخبارات الأمريكية السابقين. وشملت نجاحاتها كيفن باتريك مالوري، ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق الذي أصبح غارقًا في الديون وباع أسرارًا مقابل المال، بما في ذلك هويات ضباط الاستخبارات الأمريكية الذين كانوا يسافرون إلى الصين. أدين مالوري في عام 2018 .

في عام 2023، كشفت وزارة العدل الأميركية عن اعتقال اثنين من البحارة في البحرية الأميركية بتهمة تقديم معلومات عسكرية للصين. وكلاهما مواطنان أمريكيان ولدا في الصين.

وفي عام 2024، ألقي القبض على الرقيب كوربين شولتز، بعد أن سرب معلومات دفاعية حسّاسة للصين، بينها وثائق عن أنظمة أسلحة وإستراتيجيات عسكرية أميركية.

تُعرف دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران بصعوبة اختراقها استخباراتيًا، مما يجعل الوصول إلى معلومات دقيقة عن عملياتها تحديًا كبيرًا للدول الأخرى. تفرض هذه الدول قيودًا مشددة على منصات التواصل الاجتماعي الأميركية مثل Facebook، بحجة أنها غير ملائمة للحكومة، مما يحد من التواصل مع العالم الخارجي. ومع ذلك، تسمح أدوات مثل شبكات VPN للمستخدمين بتجاوز هذه الرقابة.

لذلك، أعادت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) إطلاق حملتها الدعائية الأسبوع الماضي. وقد صرح متحدث باسم الوكالة أن حملة 2022 وفيديو مايو 2023 تمت مشاهدتهما 2.1 مليون مرة على منصات مثل Facebook وInstagram وX، وأسفرت عن "تواصل" مع بعض الأفراد، دون الكشف عن تفاصيل حول عمليات التجنيد الفعلية.