من ساحات الاعتصام إلى قصور الفساد.. قادة نكبة فبراير في اليمن مطلوبون للمحاكمة

يطالب ملايين اليمنيين بمحاكمة ومحاسبة القيادات السياسية والعسكرية التي أفرغت الدولة اليمنية من محتواها، وقدّمتها فريسة سهلة للمشاريع والأجندة الدولية، تحت شعارات رنانة وخطب جوفاء تكررت في ساحات الاعتصام خلال ربيع 2011، مقابل تمكينهم من السلطة لخصخصتها، وتطويع القوانين لشرعنة نهب مليارات الريالات من المال العام، في أسوأ سجلٍّ للفساد والمحسوبية والتدمير المنهجي.

وكشفت السنوات الماضية عن حجم الفساد الذي غرقت فيه قيادات "نكبة 11 فبراير"، بعد أن تسلقوا إلى السلطة عام 2011، مستغلين نفوذهم لممارسة الفساد والمحسوبية والمناطقية على نطاق واسع.

وبعد أكثر من عقد، بات واضحاً أن هذه النخبة لم تكن سوى أدوات لمشاريع تدميرية، استخدمت الدولة لتحقيق مكاسب شخصية، بدلاً من تحقيق تطلعات الشعب الذي خرج إلى الشوارع مطالباً بالتغيير إلى مزيدٍ من الأفضل وليس العكس.

وتشير تقارير محلية ودولية إلى أن مسؤولي السلطة في عدن وصنعاء، سواءً في الحكومة المعترف بها دولياً أو مليشيا الحوثي، راكموا ثروات هائلة خلال سنوات قليلة، متجاوزين ما جمعه مسؤولون سابقون خلال عقود، في تناقض صارخ مع الشعارات التي رفعوها والخطب التي ألقوها في ساحات الاعتصام، حيث زعموا أنهم يمثلون الشعب ويسعون لتحقيق العدالة. ولا يزال موقع يوتيوب يحتفظ بمقاطع فيديو توثق أكاذيبهم، شاهدة على زيف ادعاءاتهم.

فساد علني

يرى مراقبون أن الفرق الجوهري بين الماضي والحاضر، أن الفساد كان يُمارس قديماً بحذر وخفاء، لأن هناك محاسبة حكومية للفاسدين وإن كانت ليست ممتازة. أما اليوم، فهو يُمارس علناً، بقوة السلاح والسلطة، دون أي محاسبة أو رادع قانوني. فقد أصبحت الجهات الرقابية شريكة في منظومة الفساد، بعدما تم توزيعها بين الفصائل المتناحرة، لتتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات بيد الفاسدين.

وأدى الفساد المستشري والمحاصصة في السلطتين المتنازعتين بصنعاء وعدن، إلى انهيار الخدمات الأساسية، وضرب الاقتصاد الوطني في الصميم، ما أثر بشكل مباشر على حياة المواطن.

وبحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لوكالة خبر، فقدت العملة المحلية أكثر من عشرة أضعاف قيمتها منذ 2011، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وإغراق ملايين اليمنيين في دوامة الفقر والجوع.

الدولة.. شركة خاصة

ما يثير السخط أن القيادات التي استولت على السلطة باسم "الثورة"، حوّلت مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات عائلية، حيث احتكروا المناصب لأبنائهم وأقاربهم، واستأثروا بالبعثات الدراسية والمنح الخارجية لأنفسهم والمقربين منهم، لتُدار الدولة وفق مصالح ضيقة، بعيداً عن مبدأ تكافؤ الفرص أو الكفاءة.

كما أن القيادات، خصوصاً في الحكومة المعترف بها، استحوذت على موارد البلاد النفطية والغازية، عبر صفقات مشبوهة في السوق السوداء، أو عبر نهب الإيرادات تحت ذرائع دعم الجبهات والموازنات التشغيلية، والتي تصب جميعها لصالح قوى النفوذ نفسها. وإلا، فكيف فشلت هذه القيادات خلال أكثر من عشر سنوات في استعادة الدولة من قبضة مليشيا الحوثي، أو في معالجة الاقتصاد والخدمات المنهارة في المناطق التي تسيطر عليها؟

كذلك الأمر بالنسبة لمليشيا الحوثي التي كانت شريكاً في فوضى 2011، حيث باتت تنهب جميع إيرادات الدولة الجمركية والضريبية وغيرها منذ انقلابها في سبتمبر/ أيلول 2014، في الوقت الذي ترفض تقديم الخدمات أو تدفع مرتبات الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتها، لتصاب قياداتها بالتخمة من الفساد.

بذخ الفاسدين

لم يقتصر الفشل على الاقتصاد والخدمات، بل امتد إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، التي تعرضت لتدمير ممنهج، جعلها غير قادرة على حماية البلاد من التدخلات الخارجية والمليشيا الحوثية، خصوصاً بعدما تم إعادة تشكيلها وفق معايير سياسية ومناطقية بحتة، بحيث أصبحت كل مجموعة تتمترس خلف مشروعها الخاص.

في الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 80 بالمئة من اليمنيين من الفقر، تعيش القيادات التي تصدرت المشهد منذ 2011 في رفاهية مطلقة، متنقلة في الخارج بين القصور والفنادق الفاخرة، تاركة الشعب يواجه الجوع والحرب وانعدام الخدمات، بينما يحصل الموظف في مناطق الحكومة الشرعية على رواتب متآكلة تُدفع بشكل غير منتظم، بينما يحظى المسؤولون بامتيازات بالعملة الصعبة، تُمكنهم من العيش برفاهية خارج البلاد.

ويشير مراقبون إلى أن إحدى أكبر الكوارث التي خلفتها نكبة فبراير هي الحرب الحوثية التي اندلعت كنتيجة مباشرة للفوضى التي شهدتها البلاد في 2011.

هذه الحرب هجّرت أكثر من 5 ملايين يمني، ليصبحوا لاجئين ونازحين داخل بلدهم وخارجه، وحولت اليمن إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، حيث أصبح المواطنون وقوداً لصراعات السلطة والنفوذ.

اليوم، وبعد 14 عاماً مما سُميت "ثورة"، يبدو المشهد أكثر قتامة من أي وقت مضى. فلا تنمية، ولا عدالة، ولا استقرار، بل دولة منهارة، وشعب محطم يبحث عن قوت يومه، وسط صراعات لا نهاية لها.

وأما المشاريع الدولية التي دعمت هذه الفوضى، فلم تحقق سوى الخراب والانهيار، فيما بقيت القيادات التي صنعت الكارثة محصنة من المساءلة والمحاسبة.

وعلى الرغم من كل هذه الكوارث، لا تزال هذه القيادات تطمع بالمزيد من النهب والتجويع والإذلال بحق الشعب اليمني، مستمرة في تسويق الوهم بأن "ثورتهم" لا تزال قائمة. لكن الشعب، بمن فيه شخصيات دينية وسياسية محسوبة على تلك القيادات نفسها، أصبح جلّ مطالبه محاكمة ومحاسبة هذه العصابات، التي باعت الوطن مقابل السلطة والثروة.