قمة بوتين وترامب.. القارة العجوز "مجرد حاشية في التاريخ"

تعيش العواصم الأوروبية حالة من القلق المتزايد قبيل القمة المفاجئة التي ستعقد في ألاسكا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ يخشى قادة أوروبا من أن تؤدي هذه المحادثات إلى تقسيم التحالف عبر الأطلسي وتجاهل المصالح الأوروبية، في ظل غياب الشفافية حول مقترحات الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن المخاوف تتصاعد من احتمال حصول موسكو على ما تريد، بينما يُترك الأوروبيون على هامش الأحداث، وسط غموض يكتنف جدول أعمال القمة ونتائجها المحتملة.

قلق من التهميش

وفقًا لتصريحات دبلوماسي أوروبي رفض الكشف عن هويته لـ"سي إن إن"، فإن هناك شعورًا واسعًا في العواصم الأوروبية بأن القارة العجوز مهددة بأن تصبح "مجرد حاشية في التاريخ"، ويعزو هذا القلق إلى قلة المعلومات المتاحة حول مقترحات بوتين لوقف القتال في أوكرانيا، إذ لم يفصح الرئيس الروسي عن تفاصيل محددة، كما لم يدلِ المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بأي تصريحات عقب لقائه مع بوتين.

عقب زيارة ويتكوف لموسكو، صرّح ترامب قائلًا: "الأمر معقد للغاية، سنستعيد بعضًا منها، وسنُبدّل بعضها، سيكون هناك تبادل للأراضي بما يُحسن الوضعين"، إلا أن الأوروبيين يشككون في أن "تحسين الوضعين" أمر ممكن، معتبرين أن بوتين لم يتراجع عن مطالبه المتشددة سواء فيما يخص السيطرة الإقليمية أو الإبقاء على أوكرانيا ضعيفة عسكريًا وبدون ضمانات أمنية كافية.

أصدرت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا، وقّعت عليه كذلك بولندا وفنلندا، أكدوا فيه التزامهم بمبدأ "عدم تغيير الحدود الدولية بالقوة"، وأوضح الدبلوماسي الأوروبي لـ"سي إن إن" أن الاستيلاء على أراضي الغير لا يبدو أمرًا مثيرًا لقلق الإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما يزعج الأوروبيين بشدة.

غموض المفاوضات

قضى القادة الأوروبيون وقتًا طويلًا في محاولة الحصول على توضيحات من نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، الذي كان على وشك بدء إجازة في المملكة المتحدة، حول ما سيتم التفاوض عليه، وبحسب "معهد دراسة الحرب" في واشنطن، فقد وصفت إدارة ترامب مطالب بوتين بوقف إطلاق النار في أوكرانيا بأربع صيغ مختلفة منذ السادس من أغسطس، لكن القاسم المشترك بينها هو مطالبة القوات الأوكرانية بالانسحاب من جميع أجزاء منطقة دونيتسك التي لا تزال تحت سيطرتها، بما في ذلك مدن رئيسية مثل سلوفيانسك وكراماتورسك وكوستانتينيفكا.

يحذر "معهد دراسة الحرب" من أن قبول مثل هذا الطلب سيجبر أوكرانيا على التخلي عن "حزامها الحصين"، وهو خط الدفاع الرئيسي في دونيتسك منذ عام 2014، مما سيجعلها عرضة لمزيد من العدوان في المستقبل. ويؤكد المحلل العسكري ميك رايان، في مدونته "فوتورا دوكترينا"، أن أي أرض تتنازل عنها أوكرانيا ستُستخدم لاحقًا كنقطة انطلاق لهجمات روسية جديدة.

مقارنة تاريخية

تشير "سي إن إن" إلى أوجه الشبه بين الوضع الحالي واتفاقية ميونخ عام 1938، التي عُقدت بين رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين والزعيم النازي أدولف هتلر، حيث تعهد الأخير حينها بأن تلك ستكون "آخر مطالبة إقليمية له في أوروبا"، قبل أن يغزو تشيكوسلوفاكيا لاحقًا.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بوتين سيطالب بالسيطرة الكاملة على مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا، أو سيقبل بوقف القتال على خطوط الجبهة الحالية، كما لا يعرف إن كان سيصر على اعتراف أوكرانيا بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، وهو ما يرفضه الدستور الأوكراني صراحة.

يرى القادة الأوروبيون أن وقف إطلاق النار يجب أن يكون شرطًا أساسيًا لأي مفاوضات بشأن الأراضي، ويؤكدون على أن خط التماس الحالي يجب أن يكون نقطة الانطلاق، كما يطالبون بضمانات أمنية قوية تمكّن أوكرانيا من الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها، لكن المؤشرات تشير إلى رفض الكرملين إشراك أي عضو في الناتو في قوة أوروبية لضمان وقف إطلاق النار.

موقف صعب

تحذر الخبيرة ريم ممتاز، من "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي"، من أن الأوروبيين يعيشون منذ بداية ولاية ترامب في حالة من "ركوب القطار الأفعواني" السياسي، دون القدرة على النزول منه، وترى أن هذا الوضع نتيجة لعدم تطوير استراتيجية أوروبية مستقلة عن التدخلات الأمريكية، رغم دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لذلك منذ سنوات.

قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إن أي اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا يجب أن يشمل أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، لأنه مسألة أمن مشترك، كما شدد المستشار الألماني فريدريش ميرز على رفض مناقشة القضايا الإقليمية دون موافقة الأوروبيين والأوكرانيين، وأكد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أن واشنطن تعهدت بالتشاور مع الشركاء الأوروبيين قبل القمة، لكن لا تزال تفاصيل القمة غامضة.

يرى الجنرال الأسترالي السابق ميك رايان أن الولايات المتحدة نفسها تفتقر إلى استراتيجية واضحة تجاه أوكرانيا، مشيرًا إلى أن سياسة ترامب تتسم بالغضب والاندفاع وتغيرات المسار، إضافة إلى رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام.