الإخفاء القسري.. عبء اقتصادي يضاعف مأساة الأسر اليمنية في مناطق الحوثيين
لا يقتصر أثر جريمة الإخفاء القسري على غياب الأشخاص وتعذيب ذويهم بالانتظار المجهول، بل يتعداه إلى استنزاف اقتصادي يضاعف مأساة الأسر اليمنية، خصوصا في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، حيث تُمارس هذه الانتهاكات بشكل واسع ومنهجي.
تشير تقارير حقوقية إلى أن الغالبية الساحقة من المختطفين والمخفيين قسرًا يقبعون في سجون ومعتقلات سرية تابعة للمليشيات الحوثية منذ الانقلاب واندلاع الحرب عام 2015، بينهم سياسيون وصحفيون وأكاديميون وطلاب ونشطاء.
وتُوثّق منظمات محلية ودولية أكثر من 3,000 حالة إخفاء قسري في اليمن، الجزء الأكبر منها في صنعاء ومحافظات خاضعة للحوثيين.
أغلب المخفيين هم معيلون لأسرهم، ما يجعل عائلاتهم تواجه واقعا اقتصاديا بالغ الصعوبة.
ووفق تقديرات حقوقية، فإن أكثر من 60% من أسر المخفيين تعيش اليوم تحت خط الفقر المدقع، إذ تجد نفسها بين خيارين أحلاهما مر: إما الاعتماد على المساعدات الإنسانية الضئيلة، أو دفع النساء والأطفال للعمل في ظروف قاسية.
إلى جانب فقدان الدخل، تتحمل الأسر تكاليف باهظة في رحلة البحث عن المخفيين. فالتنقل بين المحافظات، وزيارة مكاتب وسجون الحوثيين الرسمية والسرية، يكلف مبالغ تفوق قدرة معظم العائلات.
وفي كثير من الحالات، تضطر هذه الأسر لدفع مبالغ تتراوح بين مائة و 500 ألف كرشاوى للمشرفين وعناصر الحوثي أو وسطاء مقابل الحصول على وعود بلقاء قصير أو مجرد معلومة عن مصير الضحية.
الأوضاع الإنسانية في مناطق الحوثيين
الأعباء الاقتصادية للأسرة تتضاعف بالنظر إلى تردي الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يعيش ملايين السكان في ظل انقطاع المرتبات منذ عام 2016، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسب تتجاوز 200% مقارنة ببداية الحرب. هذا الوضع يجعل عائلات المخفيين أكثر هشاشة، إذ لا تجد سندًا رسميًا ولا حماية قانونية، بينما تنهكها تكاليف البحث والانتظار.
نتيجة هذه الظروف، اضطر العديد من أبناء المخفيين لترك مقاعد الدراسة.
وتؤكد تقارير حقوقية أن ما لا يقل عن 40% من أطفال المخفيين في صنعاء وصعدة والحديدة تركوا التعليم بسبب عجز الأسر عن تغطية الرسوم أو لاضطرارهم للعمل لمساعدة ذويهم.
يرى خبراء أن ملف الإخفاء القسري في اليمن، وبالذات في مناطق الحوثيين، لا يمكن التعامل معه فقط من زاوية إنسانية وحقوقية، بل يجب أن يشمل بعدًا اقتصاديًا يعالج الأضرار التي لحقت بالضحايا وأسرهم.
ويؤكد مراقبون أن أي عملية سلام قادمة ستكون ناقصة ما لم تتضمن آلية للتعويضات وضمان حقوق أسر المخفيين، باعتبار أن هذه الجريمة لا تستهدف الأفراد وحدهم، بل تترك ندوبًا عميقة في المجتمع والاقتصاد الوطني.