سبتمبر.. معركة الذاكرة التي ترعب الحوثيين

صلاح الطاهري

يدخل اليمنيون مع مطلع سبتمبر من كل عام في أجواء احتفالية خاصة تعيد إلى الواجهة ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، الحدث المؤسس للجمهورية اليمنية وميلاد الدولة اليمنية. هذه الذكرى ليست مجرد مناسبة وطنية عابرة، بل هي بالنسبة لليمنيين جوهر هويتهم السياسية ومفتاح تحررهم من حكم الإمامة الكهنوتي الذي حكم البلاد قروناً طويلة.

على الطرف الآخر، يعيش الحوثيون، الذين يشكلون امتداداً سلالياً وفكرياً للإمامة، حالة قلق متزايد مع كل اقتراب لهذه الذكرى. فالمشروع الذي يحملونه بطابعه السلالي الديني يجد نفسه في تناقض مباشر مع المعنى الجوهري لثورة سبتمبر التي قامت أصلاً لإنهاء الإمتيازات القائمة على النسب والسلالة والحق الإلهي المزعوم. ولذلك تتعامل الميليشيا مع سبتمبر بإعتباره تهديداً وجودياً لمشروعها، وليس مجرد ذكرى وطنية أوخصم سياسي.

هذا الإدراك العميق يفسر الإجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها الجماعة في صنعاء وإب وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها كل عام مع دخول سبتمبر.

 من الاعتقالات التي طالت ناشطين لمجرد رفعهم العلم الوطني، إلى المداهمات التي استهدفت شباناً نشروا صوراً رمزية للذكرى على وسائل التواصل الإجتماعي، إلى تحويل الشوارع والساحات إلى ثكنات أمنية. كلها ممارسات تكشف خشية الحوثيين من أي فعل رمزي قد يتحول إلى فعل جماهيري مهدد لسلطتهم.

في المقابل تتوسع أشكال الإحتفاء الشعبي بسبتمبر عاماً بعد آخر، سواءً في الداخل عبر المبادرات الفردية والجماعية لرفع العلم وترديد النشيد الجمهوري، أو في الفضاء الرقمي عبر حملات رقمية واسعة تعكس تمسك اليمنيين بجمهوريتهم. هذه المظاهر، وإن بدت بسيطة، تحمل رسالة سياسية عميقة: أن الوعي الجمهوري لا يزال راسخاً في نفوس اليمنيين، وأن محاولة محوه بالقوة ستبقى محاولة يائسة.

الحوثيون في هذا السياق لا يواجهون ذكرى وطنية فحسب، بل يواجهون عقداً إجتماعياً وسياسياً تبلور منذ ستة عقود، يقوم على فكرة الدولة الوطنية الحديثة. ولذلك، فإن محاولاتهم المستمرة لإعادة إنتاج نموذج الإمامة، بلبوس جديد، تصطدم بجدار صلب من الذاكرة الشعبية والوعي الوطني المتجذر.

إن معركة الحوثيين مع سبتمبر ليست سوى معركة ضد التاريخ نفسه. ولأن التاريخ لا يعيد نفسه إلا على شكل مأساة أو مهزلة، فإن ما يحدث اليوم يثبت أن مشروعهم لا يعدو كونه إعادة باهتة لماضٍ لفظه اليمنيون، وسيظلون يتشبثون بذكراه كي لا يتكرر.