جامعة إب.. من صرح أكاديمي إلى بؤرة لنشر الخرافات الحوثية
لطالما كانت الجامعات مراكز إشعاع فكري وعلمي، ومصدراً للكفاءات الوطنية، لكن المشهد في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي بات مختلفاً ومثيراً للقلق. تتحول جامعة إب، كغيرها من المؤسسات التعليمية العليا، تدريجياً من صرح أكاديمي محايد يهدف للبحث العلمي إلى أداة طيعة في يد الجماعة، مهمتها الأساسية نشر أفكارها وخرافاتها العقائدية والسياسية، وتكريس سلطتها بالقوة الناعمة داخل المجتمع الأكاديمي.
الدورات الطائفية تُلغي المناهج
تشير تقارير وشهادات من داخل الجامعة إلى تحويل الحرم الأكاديمي إلى منصة لتنفيذ ما تُعرف بـ"الدورات الطائفية الإجبارية" و"الملازم الثقافية" الخاصة بالمليشيا. هذه الدورات، التي تتنافى بشكل صارخ مع المنهج الأكاديمي والحياد المعرفي، تُفرض على الطلاب والموظفين وحتى أعضاء هيئة التدريس بشكل قسري تحت طائلة العقاب والحرمان من المستحقات.
أكد أكاديميون أن التزامهم بهذه الدورات والمناسبات الحوثية أصبح اليوم شرطاً ضمنياً لاستلام الرواتب أو الحصول على فرص الترقية، مما يرفع منسوب الخضوع القسري. في المقابل، يتم العمل على إعادة صياغة بعض المقررات الأكاديمية أو إدراج مواد جديدة بهدف ترسيخ الفكر الحوثي كأصل ديني ووطني، بينما يتم تهميش أو إقصاء المناهج التي تدعو للحياد أو التفكير النقدي. وكمؤشر على السيطرة الإدارية، تم استبدال الكفاءات الأكاديمية المستقلة أو المعارضة بعناصر موالية للسلالة الحوثية لتسهيل عملية السيطرة الإدارية والفكرية على الكليات والأقسام، متجاوزين كل الاعتبارات المهنية.
انتهاك الكرامة وتضييق الحريات: الملتقى كجهاز رقابة
لم يتوقف الأمر عند المناهج، بل امتد ليطول الحريات الشخصية والأكاديمية. يُمنع الطلاب من ممارسة أي نشاط طلابي غير خاضع لإشراف "ملتقى الطالب الجامعي" التابع للجماعة. أكد أحد الأكاديميين أن هذا الملتقى أصبح اليوم الجهاز المشرف على كل صغيرة وكبيرة داخل الجامعة، متجاوزاً صلاحيات رؤساء الأقسام والعمداء. كما برزت مؤخراً حوادث تفتيش مهينة لطالبات في حفلات التخرج أو داخل الحرم، حيث تقوم لجان غير رسمية بالتفتيش على الملابس والتفاصيل الشخصية بحجة "مكافحة المخالفات الشرعية"، وهو ما أثار موجة غضب واسعة واعتُبر انتهاكاً سافراً للكرامة والأعراف المجتمعية.
ويكمل طالب في كلية الهندسة هذه الصورة بقوله: "عندما قدمنا مشاريع تخرج إبداعية لا علاقة لها بالخطاب السياسي، والطائفي واجهنا إهمالاً. المشاريع التي تلقى الدعم هي فقط تلك التي يمكن توظيفها في خدمة المليشيا، حتى لو كانت بسيطة فنياً لكنها تحمل طابعاً 'جهادياً' أو 'ولائياً'."
دعوة لإنقاذ ما تبقى من العلم
إن تحويل جامعة إب من مؤسسة علمية إلى منبر دعوي يهدف لغسل الأدمغة ونشر الأفكار العقائدية الضيقة، هو نكوص خطير يهدد جيلاً كاملاً.
إعادة الجامعة إلى دورها الأكاديمي الأصيل والمحايد تتطلب إجماعاً وطنياً ودولياً لوقف تسييس التعليم وإعادة الاعتبار للكفاءات والحرية الفكرية، قبل أن تتحول هذه المؤسسة بالكامل إلى مجرد هيكل فارغ يرتدي ثوب الجامعة ويهدف لتدمير العقل اليمني.