6 نوفمبر.. صرخة أممية في وجه الصمت العالمي
في زحمة ركام الحروب، وانهيار المدن، وبكاء الضحايا، ثمة ضحية لا صوت لها، لا تكتب لها وكالات الأنباء عناوين، ولا تخرج من أجلها بيانات الإدانة..
إنها البيئة، الكائن الأكبر، والأضعف، والأكثر نسياناً في زمن الرصاص.
في السادس من نوفمبر من كل عام، تقف الأمم المتحدة ومعها كل من يعي خطورة ما يحدث، لإحياء اليوم الدولي للحيلولة دون استغلال البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة.
يوم ليس للاحتفال، بل للتذكير والوقوف عند جرائم لا تُوثّق بالصورة النمطية للدم، بل تُقاس بأثرها البطيء والمدمر: تلوث المياه، تجريف الأراضي، احتراق الغابات، وانقراض الكائنات، وخراب المستقبل.
من فيتنام حيث أُحرقت الغابات بالمواد الكيماوية، إلى العراق حيث تلوّثت التربة والمياه بالإشعاعات والغازات السامة، إلى اليمن وسوريا وأوكرانيا، والسودان حيث النيران لا تفرق بين مقاتل وشجرة، ولا بين هدف عسكري ونهر يشرب منه المدنيون... البيئة كانت ولا تزال الضحية الصامتة، والمشهد المنسي في تقارير النزاعات.
إن الحروب لا تُدار فقط بالبندقية، بل بأدوات دمار بيئي شامل. تحويل الأراضي الزراعية إلى ساحات قتال، تفجير المنشآت الصناعية والبتروكيميائية، قطع المياه كوسيلة ضغط، تجنيد الطبيعة في الصراع، كلها وسائل دنيئة تدفع الأجيال القادمة ثمنها الصحي والاقتصادي والمعيشي.
ما يحتاجه العالم اليوم، ليس فقط وقف الحرب، بل بناء وعي عالمي بأن البيئة لا يجب أن تُستخدم كسلاح أو تُستهدف كضحية.
الأمم المتحدة، ومن خلال هذا اليوم، لا ترفع فقط شعاراً، بل تحاول خلق إطار قانوني وأخلاقي لحماية الطبيعة في زمن الحرب.
لكن يبقى التحدي الأكبر في التنفيذ، في تحويل هذا اليوم من مناسبة سنوية إلى نهج عالمي حقيقي.
نحتاج إلى توثيق جرائم التدمير البيئي باعتبارها جرائم حرب. نحتاج إلى محاكمات للمجرمين الذين لوّثوا الأنهار والهواء ونسفوا الغابات. نحتاج إلى أن يكون للبيئة محامٍ، صوت، وحق في الدفاع عنها كما يدافع الإنسان عن نفسه.
في كل مرة نحمل فيها الكاميرا لتصوير الدمار، علينا أن نلتفت أيضاً لما لا يُرى مباشرةً... الهواء الذي تلوث، الشجرة التي سقطت بلا صوت، الحيوان الذي انقرض في صمت. إنها ليست تفاصيل جانبية، بل هي الحرب بشكلها الأبشع.
فلنجعل من هذا اليوم الدولي دعوة مفتوحة لكل الصحفيين، المشرعين، النشطاء، والناس العاديين… لنقل للعالم: البيئة ليست طرفاً محايداً في الحرب، بل هي قلب الحياة، وإذا ماتت، نموت كلنا معها.