تجريف التعليم.. كيف أصبح خريجو الثانويات العامة بديلاً للمعلمين المؤهلين في اليمن؟ (تقرير)

يشهد القطاع التربوي في المناطق اليمنية المحررة، وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن ومحافظتا لحج والضالع، أزمة حادة انعكست على جودة التعليم ومخرجاته واستقراره، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى رفع مستوى التعليم لتحقيق أهداف التنمية. 

يأتي ذلك نتيجة ما تعانيه وزارة التربية والتعليم ومكاتبها من عجز في الكادر التعليمي وتسرب بعض المعلمين المؤهلين من المدارس نتيجة تأخر دفع مرتباتهم والإضرابات المتكرّرة التي سبّبها هذا التأخير.

ونتيجة لهذه العوامل وغيرها، انتشرت ظاهرة "المعلّم البديل" من خريجي الثانوية العامة، باعتباره الحلّ الطارئ لسد الحصص الدراسية، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر على تحصيل الطلبة، علاوة على أن هذه المخاطر ستصبح مستقبلاً ملازمة لأجيال في ظل تحركات لوزارة التربية -استجابة لضغوط سياسية- تفضي إلى تثبيت الآلاف منهم سنوياً ليصبحوا أساسيين.

المعنيون في مكاتب التربية، غالباً، ومن باب المناكفات والمكايدات السياسية، يريدون مخرجات هذا الكادر البديل "ضعيفة جداً" للاستغلال والمناكفات السياسية من خلال تحميل طرف ما في الحكومة مسؤولية الفشل، خصوصاً وأنهم خريجو ثانوية عامة، إمكاناتهم العلمية محدودة، ولا يخضعون لدورات تأهيل تربوية أو بيداغوجية (وهي ما يعرف بعلم التربية، أو علم أصول التدريس)، وفق ما أكّدت مصادر تربوية في عدد من المحافظات. 

وأوضحت المصادر لوكالة خبر، أن هذا التوظيف الطارئ صار يُعوّض النقص، لكنه لا يعوّض الجودة، ما دفع إلى انخفاض فعلي في مستويات التحصيل الأكاديمي. 

ضغوط سياسية

وفي ظل غياب آليات تأهيل وتدريب مستمر، أصبح القادم إلى الصف الدراسي غالباً "معلّماً غير مؤهل بصورة كافية"، ما يعيد إنتاج دائرة ضعف التعلم وغياب التحصيل المنشود.

وكشفت المصادر أن وزارة التربية اعتمدت هذه الآلية في التعاقدات منذ سنوات ولكن كانت بنسبة محدودة بعكس ما بدأت تكشفه التقارير مؤخراً عن اعتماد مكاتب التربية في بعض المديريات والمحافظات على أعداد كبيرة من هؤلاء الخريجين ومحاولة فرضهم كأمر واقع وتثبيتهم في كشوف الموظفين تحت ضغوط سياسية وغيرها، مع أن الوزارة تُقرُّ بأنّ هذه الآلية "ليست الحلّ المطلوب"  لسدّ العجز في المدارس. 

ورغم ما تقول البيانات من أن إيجابية هذه الطريقة تكمن في ملء الحصص الدراسية، تؤكد أيضاً أن "التأثير السلبي يكمن في تدنّي المستوى التعليمي العام". 

محور الخلل

مختصون تربويون أكدوا لوكالة خبر، أن محور الخلل يبرز في فتح المجال لمن لا يحمل المؤهلات التربوية الصحيحة أو الخبرة المهنية، ثم انتظار أن يؤدي بنفس جودة المعلمين المؤهلين، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى رفع مستوى التعليم لتحقيق أهداف التنمية. 

وعندما يصبح سدّ العجز أهمّ من جودة التعليم، يكون ذلك مؤشّراً خطيراً على تراجع العملية التربوية.

وقال المختصون: أحد الأسباب الأخرى التي تغذّي الأزمة هو غياب الرقابة الفاعلة من رئاسة الحكومة التي على ما يبدو أنها ارتضت بهذا الأمر هروباً من الالتزام بمسؤولياتها تجاه الطلبة والمعلمين المؤهلين، وبترحيل غير مُعلن من وزارة ومكاتب التربية والمدارس. 

وأشاروا إلى أنها لا توجد آلية دقيقة مفروضة على كل مكتب أو مدرسة لضمان الامتثال لمعايير التوظيف والتأهيل، أو رصد الأداء التدريسي والتعليمي، والنتيجة أن التوظيف الطارئ يجري غالباً دون إشراف أو متابعة وفحص من لجنة خبراء، ومعه تنخفض فرص إصلاح المنهج أو بناء كادر تدريسي محترف. 

هذا الواقع -بحسب تقديراتهم- يعكس عدم وجود نظام مؤسسي يقود إلى تحسين مستمر، بل حالة اعتياد على التعامل مع التعليم كملف طارئ وليس كركيزة أساسية للمجتمع.

بيانات وتحذيرات

وفي هذا الصدد تشير بيانات دولية إلى تفاقم الوضع التربوي في البلاد.

وعلى سبيل المثال، أوضحت اليونسكو في تقارير سابقة أنّ الموقف في اليمن يفتقر إلى بيانات دقيقة عن مستويات التحصيل العلمي، إذ لا تتوافر بيانات كافية للمؤشرات الأممية مثل نسبة الطلبة الذين يصلون إلى حدّ الكفاءة في القراءة أو الرياضيات. فيما تبيّن التقارير الدولية أن عدد المدارس المتضرّرة أو المستخدمة لأغراض غير تربوية كبير، ما يفاقم التحديات. 

في هذا السياق، يصبح التخلي عن كادر مؤهل وتأخير المرتبات وإجراء تغييرات طارئة في التوظيف مشكلة كبيرة تؤثر في تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة وهو "التعليم الجيد"، وفقاً لخبراء تربويين أكدوا أنه لا يمكن أن تتحسّن العملية التعليمية في اليمن دون إعادة النظر في سياسة التوظيف والتأهيل ومراقبة الأداء.

وجددوا التأكيد بأن ما يحدث اليوم من دون دفع مرتبات المعلمين المؤهلين في وقتها، والاستثمار في تدريبهم وتأهيل البدائل، وتفعيل دور الوزارة في الرقابة والتوجيه، ستترتب عليه خسارة جيل كامل من الطلبة. 

وشددوا على أن إصلاح قطاع التعليم يجب أن يبدأ من الكادر، لأنّ المعلم هو المحور، ومن ثم تسنيد العملية بآليات واضحة للتوظيف والمراقبة والتأهيل، وإلا فإنّ "سدّ الحصص" اليوم سيتحوّل إلى "سقوط التحصيل" غداً.