في ذكرى جمعة رجب.. تفجير جامع الرئاسة جريمة غيّرت مسار اليمن وأعادت طرح أسئلة المسؤولية والتحالفات الخفية

تحلّ ذكرى جمعة رجب الدامية التي ارتبطت بأحد أكثر الأحداث دموية وتأثيراً في تاريخ اليمن الحديث، تفجير جامع الرئاسة في الثالث من يونيو 2011، وهو الحادث الذي هزّ وجدان اليمنيين والعالم، بعد أن استهدف الرئيس علي عبدالله صالح وكبار قيادات الدولة أثناء أدائهم صلاة الجمعة داخل جامع دار الرئاسة.

ذلك اليوم تحوّل فيه بيت الله إلى مسرح للدماء والفوضى، حيث أودى الانفجار بحياة عدد من المصلين من القيادات السياسية والعسكرية، على رأسهم رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني، فيما أصيب أكثر من 200 شخص، بينهم الرئيس صالح الذي تعرض لإصابات خطرة لكنه نجا بأعجوبة. ومنذ اللحظة الأولى، بدأ الجدل الكبير حول الجهة التي خططت ونفذت واحدة من أخطر الجرائم السياسية التي عرفها اليمن.

دور بارز للإخوان والحوثيين

وفي حين وُجهت أصابع الاتهام آنذاك إلى جماعات متشددة وتنظيمات مسلحة، تكشّفت لاحقاً معطيات وتحقيقات وشهادات متعددة تشير إلى دورٍ محوري لعبته جماعة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) بالتنسيق مع مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، ضمن مشروع سياسي وأمني استهدف إسقاط الدولة وإضعاف القيادة الشرعية وإحداث فراغ سياسي يخدم أجندة انقلابية معدّة مسبقاً.

مراقبون يرون أن التقاء المصالح بين الطرفين، رغم تباين الخطاب الأيديولوجي، خلق أرضية مشتركة للتآمر على النظام الجمهوري ومؤسسات الدولة، وهو ما انعكس في التخادم السياسي لاحقاً، سواءً عبر التنسيق الميداني غير المعلن أو عبر تفاهمات سرية رعتها أطراف داخلية وخارجية، هدفت لإعادة تشكيل المشهد اليمني بقوة السلاح لا عبر صناديق السياسة.

صفقات تكشف المستور

بعد انقلاب مليشيا الحوثي وسيطرتها على صنعاء في سبتمبر 2014، جاءت واحدة من أكثر الخطوات إثارة للجدل حين أفرجت المليشيا عن عدد من المتهمين في جريمة تفجير جامع الرئاسة ضمن صفقة تبادل أسرى مع حزب الإصلاح في مأرب، قبل أن تتكرر الصفقة في أكتوبر 2019 بمحافظة الجوف، حيث أطلق الحوثيون سراح خمسة متهمين أساسيين في الجريمة مقابل الإفراج عن 14 أسيراً حوثياً بينهم قيادات بارزة.

تلك الصفقات، وفق محللين، لم تكن مجرد ترتيبات إنسانية، بل حملت رسائل سياسية واضحة، وأكدت وجود علاقة مريبة بين الطرفين تتجاوز حدود الخصومة المعلنة إلى مستوى “التحالف غير المباشر” وتقاطع المصالح الأمنية والعسكرية، بما يعكس طبيعة التخادم الذي سهّل لاحقاً للحوثيين تثبيت انقلابهم وتوسيع نفوذهم.

بداية الانهيار الشامل

ورأى مراقبون أن جريمة جامع الرئاسة لم تكن مجرد حادثة إرهابية عابرة، بل كانت نقطة تحول مفصلية دشنت مرحلة الانهيار الأمني وتفكك الدولة وتعدد مراكز القوة، وفتحت الباب أمام مشاريع العنف والفوضى، ما أدى إلى تشظي القرار الوطني وتدمير مؤسسات الدولة وحرمان اليمنيين من أبسط حقوقهم وعلى رأسها الرواتب والخدمات الأساسية.

وأشاروا إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح حذر مراراً من مخاطر المؤامرات التي كانت تُحاك ضد اليمن، ومن الفوضى التي خططت لها قوى دولية واستخدمت فيها أدوات محلية على رأسها الإخوان والحوثيون، لكن تلك الأطراف مضت في مشروعها، مستغلة شعارات زائفة ووعوداً مخادعة انتهت إلى خراب شامل، وانهيار اقتصادي وإنساني غير مسبوق.

ومع حلول ذكرى جمعة رجب، يعود السؤال مجدداً: من يقف وراء الجريمة ومن المستفيد الأكبر منها؟ ولماذا ظلت الحقيقة رهينة الحسابات السياسية والتفاهمات السرية؟ ولماذا تحولت القضية إلى ورقة مقايضة ومساومة بدلاً من أن تكون عنواناً للعدالة والإنصاف؟

تبقى هذه الجريمة علامة سوداء في تاريخ اليمن، وبداية فصل مأساوي من الصراع لا تزال البلاد تدفع ثمنه حتى اليوم، الأمر الذي يجعل الحاجة إلى تحقيق شفاف ومستقل ضرورة وطنية وإنسانية، ليس فقط لإنصاف الضحايا، بل لحماية ما تبقى من الدولة ومنع تكرار جرائم سياسية صنعتها تحالفات الظل وأجندة المشاريع الهدامة.