14 عامًا على تفجير جامع دار الرئاسة.. من الإرهاب إلى انهيار الدولة اليمنية

يصادف يوم الجمعة الذكرى الرابعة عشرة لإحدى أخطر وأبشع الجرائم التي شهدها اليمن في تاريخه الحديث، والمتمثلة في تفجير جامع دار الرئاسة بصنعاء، الذي وقع في أول جمعة من شهر رجب، الموافق 3 يونيو/حزيران 2011م، أثناء أداء قيادة الدولة لصلاة الجمعة.

الجريمة، التي صُنّفت دوليًا باعتبارها عملًا إرهابيًا، استهدفت اغتيال رئيس الجمهورية، آنذاك، علي عبدالله صالح، إلى جانب كبار قيادات الدولة، وأسفرت عن مقتل نحو 13 قياديًا بارزًا، في مقدمتهم رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة، بينهم الرئيس صالح، ورئيس الحكومة علي محمد مجور،  ورئيسا مجلسي النواب والوزراء وعدد من كبار المسؤولين.

وأكد مراقبون أن تنفيذ هذه الجريمة جاء بعد فشل القوى المتطرفة في تحقيق أهدافها عبر المسارات السلمية والدستورية، فلجأت إلى العنف المسلح كخيار أخير، في محاولة لإحداث فراغ سياسي يمكّنها من السيطرة على السلطة بالقوة، في سابقة خطيرة أخرجت الصراع من إطاره السياسي إلى مربع الإرهاب المنظم.

وشكّل تفجير جامع دار الرئاسة نقطة تحول مفصلية في مسار الأزمة اليمنية، إذ نقل الصراع من ساحات العمل السياسي إلى دائرة الدم، وأسّس لمرحلة جديدة من التطرف والانحراف، ما زال اليمنيون يدفعون ثمنها حتى اليوم على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

وأسهمت الجريمة في مصادرة حق الشعب اليمني في اختيار من يحكمه، وأخرجت القرار السياسي والسيادي من يد اليمنيين، ليصبح رهينة للتجاذبات الإقليمية والدولية، ويفضي بالبلاد إلى الوقوع تحت الفصل السابع، في ظل تدخلات أممية وإقليمية أثرت بشكل مباشر على سيادة الدولة واستقلال قرارها الوطني.

وخلال السنوات اللاحقة، كشفت التطورات عن تحالفات خفية بين قوى التطرف، تجلت بوضوح في أكتوبر/تشرين الأول 2019م، عندما أقدمت مليشيا الحوثي، عقب اغتيالها للرئيس صالح، على الإفراج عن خمسة متهمين رئيسين في قضية تفجير جامع دار الرئاسة، كانوا موقوفين على ذمة القضية أمام القضاء اليمني، وسلمتهم إلى قيادات في حزب الإصلاح بمحافظة مأرب، ضمن ما سُميت بصفقة تبادل أسرى.

تنسيق خفي

في السياق، أثارت تلك الخطوة تساؤلات واسعة، لا سيما أن المفرج عنهم متهمون بقضايا إرهاب جسيمة، ولم يكونوا ضمن المشاركين في جبهات القتال، ما كشف جانبًا من التنسيق الخفي بين أطراف تزعم العداء فيما بينها، في حين يجمعها مشروع تقويض الدولة اليمنية.

وأثبتت التداعيات الكارثية التي أعقبت الجريمة، خلال أربعة عشر عامًا، أن انتهاك حرمة الدماء في بيت من بيوت الله، وفي شهر حرام، كان يستوجب محاسبة صارمة للجناة، غير أن المكايدات السياسية والحسابات الحزبية الضيقة عطلت مسار العدالة، وغابت معها دولة النظام والقانون، لتتحول الجريمة إلى مفتاح شر فتح الباب أمام سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات.

جريمة مكتملة الأركان

على الصعيد الإنساني والاقتصادي، أسهمت هذه الجريمة وما تلاها من صراعات في تحويل اليمن من بلد مستقر نسبيًا إلى إحدى أخطر بؤر النزاع في العالم، حيث تسببت الحرب في نزوح أكثر من أربعة ملايين يمني، وارتفاع نسبة السكان تحت خط الفقر إلى أكثر من 80 في المئة، وانهيار العملة الوطنية، وتوقف صرف المرتبات، وتدهور الخدمات الأساسية، في واقع تصفه تقارير الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

ويجمع مراقبون على أن تفجير جامع دار الرئاسة جريمة اغتيال مكتملة الأركان واستهدافًا متعمدًا لإغراق البلاد في الفوضى، وهو الهدف الذي تحقق لاحقًا، إذ باتت الجماعات المتورطة في تلك الجريمة تتناحر اليوم على السلطة، في مشهد يعكس عجزها عن التعايش حتى فيما بينها، نتيجة اعتمادها على أيديولوجيات دينية إقصائية، لا تؤمن بالشراكة ولا بالدولة، على النقيض من الدولة المدنية التي كانت تكفل للجميع حق المشاركة السياسية، وحرية التعبير، والعدل، والمساواة، وسيادة القانون.