لماذا تخشى إيران حربا ضد إسرائيل؟

أطلقت إيران للمرة الثانية، هذا العام، وابلا من الصواريخ على إسرائيل، وعلى غرار المرة الأولى، لم يسفر الهجوم عن وقوع خسائر مادية أو بشرية كبيرة، مما يعزز فكرة أن طهران تريد تجنب دخول حرب مع إسرائيل.

وشنت إيران هجوما صاروخيا على إسرائيل، مساء الثلاثاء، اعتبرته "ردا" على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، والأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، والقائد الكبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، عباس نيلفوروشان، الأسبوع الماضي، بضربة اسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.

من جانبه، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، طهران بـ"دفع الثمن"، معتبرا أنها ارتكبت "خطأ جسيما".

وقال مسؤولون إسرائيليون، إن بلادهم ستبدأ "ردا قويا" على الهجوم الإيراني، في غضون أيام، قد يشمل استهداف منشآت نفطية ومواقع استراتيجية إيرانية أخرى.

وكان لافتا أنه غداة العملية، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن إيران "مارست الدفاع عن النفس" في مواجهة إسرائيل، وإن "تحركها انتهى"، ما لم تقرر إسرائيل "استدعاء المزيد من الانتقام".

وأطلقت إيران نحو 180 صاروخا على إسرائيل، بعضها أصاب مناطق مكتظة بالسكان وبعض القواعد العسكرية. وقالت إسرائيل إن دفاعاتها الجوية، بمساعدة حلفاء، اعترضت معظم الصواريخ، لكن بعضها اخترق نظام الدفاع الجوي.

ورغم اتساع الهجوم، أفادت السلطات الصحية في إسرائيل بعدم وقوع وفيات، وإنما فقط إصابات طفيفة.

الكاتب المختص في الشأن الإيراني، علي فرهود زيدان، قال في تصريحات لقناة الحرة إن ما قامت به إيران ليس دخول الحرب رسميا، لأنها تتخوف من ذلك.

واعتبر أن إيران كانت، ولا تزال، تسعى أن تقوم الميليشيات التابعة لها بمهاجمة إسرائيل نيابة عنها، وبعدما باتت "مكشوفة" أمام الهجمات الأخيرة، بات النظام الإيراني في "حالة من التخبط".

ويرى زيدان أن "جميع المعطيات تشير إلى تخوفها من دخول الحرب لأن أذرعها باتت عاجزة على أن تلعب الدور نيابة عنها".

والسبب الثاني في رأيه يتمثل بالوضع الاقتصادي في البلاد. ويلفت إلى حالة من البهجة عمت عددا كبيرا من الإيرانيين بعد اغتيال نصرالله، لأنهم يعتبرون أن وضعهم الاقتصادي المتردي يرتبط ارتباطا "عضويا" بإنفاق الأموال على الميلشيات على حساب المواطنين الإيرانيين.

وكان العالم يرتقب ردا إيرانيا في اعقاب اغتيال هنية في يوليو الماضي، بعد حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، ولكن لأسابيع، لم يأت هذا الرد.

وتقول "سي أن أن" إن التوترات هدأت بمرور الوقت خشية العواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.

وقبل أسبوع، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، للصحفيين خلال زيارة إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن إيران لا تسعى إلى دخول حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط وإن مثل هذا الصراع لن يكون له منتصرون.

وقدر مسؤولون أميركيون قبل فترة طويلة أن إيران وحزب الله أرادا تجنب الحرب الشاملة مع إسرائيل، حتى مع تبادل إطلاق النار بينهما.

وجاء في تقرير لموقع "إذاعة أوروبا الحرة"، نشر في فبراير الماضي، في أعقاب قيام ميليشيا مدعومة من طهران في العراق بقتل 3 جنود أميركيين في غارة بطائرة من دون طيار في الأردن، أن طهران تبنت نبرة تصالحية بعد الهجوم.

وقال الرئيس الإيراني حينها، إبراهيم رئيسي، إن إيران "لن تبدأ أي حرب" لكنها سترد بقوة إذا "أراد أي شخص أن يتنمر علينا".

وقال راز زيمت، من معهد دراسات الأمن القومي، ومقره إسرائيل، إن بقاء النظام هو "الهدف الأعلى" للنظام، وأي حرب مع إسرائيل والولايات المتحدة ستكون تهديدا وجوديا للجمهورية الإسلامية.

ويشير التقرير إلى أن طهران واجهت أزمات داخلية متعددة في السنوات الأخيرة، من أبرزها التظاهرات المناهضة للنظام، والاقتصاد المتعثر.

وأطلقت وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة شهورا من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وشكلت أحد أكبر التحديات التي واجهت النظام منذ عقود.

كما شهدت الانتخابات التي أجريت في البلاد منذ عام 2020 نسبة إقبال منخفضة.

وتواجه  السلطات أزمة الاقتصاد المتدهور، مع ارتفاع التضخم وارتفاع البطالة والفقر المتزايد.

وقال زيمت إن "قرارات السياسة الخارجية لا تتأثر بشكل مباشر بالرأي العام. ومع ذلك، فإن حاجة النظام إلى منع الاضطرابات الداخلية غير الضرورية في إيران تشكل بلا شك خياراته".

ولسنوات عدة، كان المسؤولون العسكريون الإيرانيون يتباهون بترسانة البلاد من الطائرات من دون طيار والصواريخ، لكن الخبراء يقولون إن إيران تفتقر إلى البراعة العسكرية اللازمة لتحدي إسرائيل أو الولايات المتحدة.

وقال زيمت: "إن إيران تدرك جيدا أن إسرائيل تتمتع بميزة عملياتية واستخباراتية واضحة عليها في صراع عسكري مباشر، سواء دفاعيا أو هجوميا".

لكن التصعيد الأخير يجعل من المرجح أن تهاجم إسرائيل منشآت إيرانية حساسة.

ويعتقد سلام فاكيل، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، أن طهران تأمل على الأرجح "أن يكون هناك بعض ضبط النفس".

وقال فاكيل لشبكة "سي أن أن": "تحاول إيران رسم بعض الخطوط الحمراء، وهي تعلم جيداً أنها في موقف دفاعي، وأن حزب الله في خطر، وأنها لا تمتلك القدرات التقليدية لمحاربة إسرائيل".

ويقول موقع أتلانتيك إن الضربات الأخيرة لإيران كانت استعراضية أكثر وأسفرت عن عدد قليل من الضحايا وقدر محدود من الأضرار حتى مع استخدامها صواريخ أكثر تطورا، وهذا يدل على أن إيران ليس لديها أي رغبة في دخول حرب.

وقال 3 مسؤولين إيرانيين كبار لرويترز في أغسطس إن طهران شاركت في حوار مكثف مع الدول الغربية والولايات المتحدة، لتحديد الرد على إسرائيل.

لكن إلي فايز ، من مجموعة الأزمات الدولية، حذر من التصعيد بعد الهجوم الإيراني. وقال: "أخشى أن ترد إسرائيل.. ستكون بالتأكيد بطريقة أكثر قسوة مما فعلته في أبريل".