عَظَمَة الرحيل في مواجهة الموت الأخير
في ذكرى رحيل واستشهاد الزعيم البطل علي عبدالله صالح، يتذكر اليمنييون كيف خسروا قائداً شجاعاً ترك خلفهُ فراغاً سياسياً كبيراً يعيشهُ اليمن منذُ سبعة أعوام، ولعل حالة التخبط والتوهان الذي أصاب خصومهِ أثبت للمغرر بهم حقيقة ما كان يُحذر منه صالح قبل تسليمهِ للسلطة، وبأن اليمن سيتحول إلى بؤرة بركان وصراعات لا نهاية لها، الأمر الذي يجعلنا دوماً نتساءل ماذا لو لم يرحل الشهيد صالح؟ كيف سيكون حال البلد اليوم؟ وهو تساؤل بلاشك إجابتهُ معروفة ولكن يبقى السؤال هاجساً يرافق ملايين اليمنيين الذين لطالما رفضوا العنف والإرهاب وتسليم الرئيس صالح للسطلة ووقفوا لجانب النظام والقانون قبل أن يشعروا بخيبة أمل كبيرة وهم يشاهدون الرئيس صالح يسلم السلطة لمن لا عهد له ولا ذمة، إذ نعيش اليوم الذكرى السابعة لرحيل الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، الذي غادرنا جسداً ولم يغادر ذاكرتنا، ولا التاريخ.
غيب الموت الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح عن الحياة السياسية، وانتقل إلى وجود آخر، لكنه لم يغيبهُ من أحاديث الناس، مازالت الملايين تتذكرهُ بشغف كبير، مازال التاريخ يكتب عنهُ من بعد رحيله، أحلام اليمنييون وذكرياتهم الجميلة مرتبطة بصالح، حياتهم المستقرة والآمنة متأصلة بعهد صالح، لم تكن جرائم القتل سائدة في عهدهِ كما هو حالنا اليوم، كل ما يتذكرهُ اليمنييون عن صالح أنهم كانوا أعزاء في عهدهِ لا يخشون القتل والأذى لا في بيوتهم ولا حتى في شوارع مدنهم، وكأن الشهيد صالح في حياتهِ كان مُمسكاً بحبل الألطاف الذي أنقطع بعد رحيله.
لم يكن صالح يهوى التخلي عن قوامهِ وهيبتهِ وشجاعتهِ ومداه الكوني، إلا أن القدر كان له قرار آخر، كان الشهيد عقلهُ مليئ بالأفكار والطموحات والمشاريع التنموية، لم يكن ينوي الرحيل قبل أن يتم ذلك، ذلك لأن صالح رحمه الله كان مثخن بالولاء لتراب وطنهِ ولشعبهِ الذي كان ولازال يتذكرهُ بأبهى نجاحاته وانجازاته، لقد كان الزعيم صالح في سيرتهِ وأخلاقهِ وفكرهِ وإنتاجهِ السياسي من صفوة أرباب الإبداع ونخبة الساسة الرصينين، ومن السياسيين العرب النادرين الذين لا يدنسون تاريخهم ولا يلوثونهُ بالشوائب الانحيازيه والمبايعات الأيديولوجية، عاش عزيزاً شجاعاً ومات عليها، ذلك بأن أثمن ما كان يحتضنهُ في وعيهِ حريتهِ الذاتية وعروبتهِ وقوميتهِ الأصيلة التي كان يذود عنها ذود الأبرار الأطهار، وفي يقينهِ أن الإنسان إما أن يكون حُراً وإما ألا يكون إنساناً على الإطلاق، لذلك أختار نهايةً مُشرفةً له ولأسرتهِ من بعده ولشعبهِ ومحبيه وللأحرار جمعاء في ربوع هذا العالم الموبوء بالعمالة والارتزاق والجُبن. لقد منحنا الشهيد صالح القدرة على ابتكار أنماط جديدة من الوجود تلائم عُمق التوق للحرية الناشبة في عُمق كياننا، ولعل رحيله بتلك الطريقة الشجاعة والنادرة تحثنا باستمرار على كل أمر وظرف يقودنا نحو الانتصار لكرامتنا المهدورة.
في الرابع من ديسمبر المجيد من العام ٢٠١٧م وفي ليلة حالكة الظلام عاشها اليمنييون كما لو أنهم عاشوا ألف عام، حيث كانت أصوات الرصاص والمدافع تدك منزل الشهيد الخالد والزعيم البطل علي عبدالله صالح، الذي دافع عن اليمن والثورة والجمهورية والوحدة أمام حشد كبير من الميليشيا الحوثية وقبلهم أنظمة ودول سعت وبشكل غير مباشر عن طريق هذه الميليشيا لتصفية الرئيس صالح الذي رحل وهو يقاتل كما عهدناه بطلاً شجاعاً، تاركاً لنا تاريخاً وإنجازاً لن ينساه اليمنييون، وحين يخطف الموت منا رجلاً بحجم صالح، فإن الطريقة الوحيدة لإبقائهم على قيد الحياة هي ألا نتوقف أبداً عن الحديث عنهم،
لقد جسد الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح في حياتهِ التي كرسها من أجل القضية اليمنية وحلم الوحدة الوطنية والعربية، مدرسة نضالية ثورية في مواجهة مشروع التشظي والتقسيم من القوى الرجعية المتخلفة، وكرس بعد موتهِ عبر بندقيتهِ التي واجه بها ذيول الإمامة الكهنوتية المُستبدة نموذج المناضل الشجاع، الذي تماهى فيه الخاص مع العام، بعد أن نذر نفسهِ وحياتهِ لخدمة الأمة اليمنية والعربية وقضيتهما المركزية، قضية فلسطين.