الطاقة الجيوحرارية.. من الولايات المتحدة إلى ذمار في المستقبل
بينما يزداد الطلب العالمي على الطاقة النظيفة والمستقرة، تبرز مشاريع الطاقة الجيوحرارية كخيار واعد يعتمد على حرارة باطن الأرض بدلاً من الاعتماد على تقلبات الطقس كما هو الحال مع الشمس والرياح. في ولاية يوتا الأميركية، يجري حالياً تنفيذ واحد من أضخم هذه المشاريع وأكثرها طموحاً: Cape Station، الذي يصل عمق بعض آباره إلى 15 ألف قدم، أي ما يعادل 4.5 كيلومتر تحت سطح الأرض بدعم من بيل جيتس ووزارة الطاقة.
الابتكار الأبرز في هذا المشروع هو الاستفادة من تقنيات الحفر الأفقي التي طُورت أساساً لاستخراج النفط والغاز الصخري. هذه التقنية تسمح بحفر بئر رأسي ثم الانعطاف أفقياً لمسافات طويلة داخل الصخور الحارة، مما يزيد بشكل كبير من سطح التلامس مع هذه الصخور، وبالتالي من كميات الحرارة المستخرجة.
الميزة الكبرى للطاقة الجيوحرارية أنها مستمرة على مدار الساعة، بخلاف الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح التي تتأثر بالليل والنهار أو هدوء الرياح. لذلك فهي توفر طاقة قاعدية (Baseload Power) يمكن الاعتماد عليها دائماً. إذا نجح مشروع Cape Station بالوصول إلى إنتاج 500 ميغاواط بحلول عام 2028 كما هو مخطط، فسيكون واحداً من أكبر مشاريع الطاقة الجيوحرارية في العالم، قادر على تزويد مئات الآلاف من المنازل بالكهرباء النظيفة.
رغم هذه الفوائد، إلا أن هذه المشاريع ليست خالية من المخاطر. التجارب السابقة أظهرت أن حقن المياه في أعماق الصخور الصلبة يمكن أن يؤدي أحياناً إلى حدوث زلازل صغيرة. المثال الأبرز كان في مدينة بازل السويسرية عام 2006، حيث أُوقفت محطة جيوحرارية بعد أن تسببت في نشاط زلزالي أثار قلق السكان. هذه الحوادث جعلت الخبراء أكثر حذراً في تصميم وتنفيذ مثل هذه المشاريع، مع اعتماد تقنيات مراقبة دقيقة للزلازل وتقليل الضخ المفاجئ للمياه.
نجاح مشروع يوتا لا يقتصر على فائدته داخل الولايات المتحدة، بل يمكن أن يشكل نموذجاً يُحتذى به في مناطق أخرى من العالم التي تتمتع بخصائص جيولوجية مشابهة.
في اليمن، وخاصة جبل اللسي في محافظة ذمار، هذه المنطقة لها طبيعة بركانية ونشاط حراري باطني يجعلها من أغنى المناطق المرشحة لمشاريع الطاقة الجيوحرارية ومناطق اخرى في القفر في محافظة إب وفي حضرموت كما سمعت. استغلال هذه الموارد قد يغير مشهد الطاقة في اليمن، إذ يمكن أن يوفر مصدراً دائماً للكهرباء بعيداً عن تقلبات الوقود المستورد أو مشاكل الشبكة التقليدية.
بالطبع، تحتاج مثل هذه المشاريع في اليمن إلى استثمارات ضخمة، وبنية تحتية، وخبرات تقنية، لكن التجربة الأميركية تثبت أن الجمع بين التقنيات الحديثة ورأس المال يمكن أن يحول هذه الإمكانيات النظرية إلى واقع عملي.