الحوثيون.. استعارة الهوية القاتلة
مصطفى محمود
تخيلوا معي أن جماعة سياسية لا تعيش في الحاضر، بل تتنفس من ماضٍ لم يكن لها، وتعيد تشكيله كأنه قدر لا مفر منه. هذه هي جماعة الحوثي: كيان سلالي يتقن فن التقمص، يرتدي عباءة التاريخ، ويخوض معركته باسم "الحق الإلهي" ضد الإنسان اليمني.
منذ ظهوره، لم يكن الحوثي مجرد حركة سياسية، بل مشروع رمزي متكامل. كل فعل سياسي عنده يتحول إلى طقس: يوم الولاية، صرخة الموت، قوافل الشهداء... كأن السياسة ليست حواراً أو إدارة شؤون الناس، بل شعائر مقدسة لا تُناقش. هو لا يرى اليمن كما هو، بل كما يريد أن يكون: سلالة تحكم، وشعب يُقاد.
السياسة عند الحوثيين ليست فن الممكن، بل فن الاستعارة. كل شيء يُعاد إنتاجه بلغة رمزية: الإمامة تُبعث باسم الجمهورية، والولاية تُعاد تسويقها كديمقراطية، والحاكم السلالي يصبح في نظر أتباعه نبياً ومخلّصاً. إنها مغامرة ميتافيزيقية، لا مشروعاً وطنياً.
السلطة الحوثية ليست مجرد حكم، بل شبكة لزجة تلتف حول المجتمع، تبتلعه بالرغبة والخوف. رغبة في استعادة "الحق التاريخي"، وخوف من ذوبان السلالة في نسيج اليمن. لذا يعيدون تشكيل الماضي ليستحوذوا على الحاضر، ويخترقون كل الحدود باسم "المشروع القرآني".
مثل إسرائيل، يلعب الحوثي لعبة الأصل:
- يتقمص صورة الإمام الزيدي، ليحلّ محله في العصر الحديث.
- ينهك اليمنيين اقتصادياً واجتماعياً، ليحكمهم كأسياد ورعاع .
- يصنع صوراً مرعبة من الدمار، ليزرع في الوعي الجمعي شعوراً بالعجز.
- يقدم نفسه كقدر لا بديل له: إمّا حكمه أو الفوضى.
- يتسلح بأحدث الأسلحة، لا لحماية اليمن، بل لفرض مشروعه بالقوة.
- يتحدث بلغة الجمهورية، لكنه يرسخ حكم السلالة.
- يملأ خطابه بالرموز والإشارات، ليزيد من غموضه.
- يدمج الدين بالنسب ويدمج النسب بالسياسة، حتى لا يُعرف من هو الحاكم ومن هو الفقيه.
- يتحالف مع قوى مشبوهة، فقط ليبقى مشروعه قائماً.
الاستعارة الحوثية، مثل الاستعارة الصهيونية، تقوم على فجوة بين أصل تاريخي منقرض وصورة حديثة مزيفة. وكلما اتسعت هذه الفجوة، زاد العنف، لأن الحوثي يحاول تغطية غياب الأصل بالدم.
هو لا يقدم نفسه كحاكم، بل كمنقذ. يدّعي التحرر، لكنه يمارس التسلط. يقول إنه يحمي اليمن، لكنه يحوّله إلى ساحة حرب دائمة. كل مرحلة من حكمه تكشف زيف استعاراته، وتفضح حقيقته ككيان استعماري داخلي.
العنف ليس عرضاً جانبياً، بل جوهر مشروعه: قتل، تهجير، تجنيد أطفال، تحويل الأرض إلى ألغام. شعاراته لا تحمل حياة، بل موتاً: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الموت لليمنيين المخالفين له. لا سلام في قاموسه، فقط موت يعيد إنتاج سلطته.
الحوثي، بهذا المعنى، ليس مجرد جماعة، بل استعارة هويه قاتلة. كيان مستعار من ماضٍ انتهى، يراهن على أن العالم سينسى أن حكم السلالة لا مكان له في يمن حديث. لكنه ينسى أن الاستعارة، مهما بدت قوية، تبقى مهددة بالانكشاف. وكلما اشتد عنفه، اقترب من لحظة سقوطه.
يتبع
*صفحته على الفيسبوك