اليمن تحت قبضة الحوثيين.. قمع وتجويع ونهبٌ للمساعدات وتحويل الأطفال إلى وقود للحرب (تقرير)

كشفت وكالة "رويترز"، في تقرير موسع، أن مئات اليمنيين الفارين من مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية (ذراع إيران في اليمن) وصفوا الجماعة بأنها سلطة قمعية مسلحة تمارس التجويع كسلاح، وتستخدم المساعدات الدولية أداة لإخضاع الناس وتجنيد الأطفال في صفوفها.

يقول عبدالسلام، مزارع في الـ37 من عمره فر إلى أحد مخيمات النزوح الواقعة في مناطق تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً: “الناس بين المر والأمرّ منه... يخيروك: إمّا تكون معهم وتأخذ سلة طعام، أو تتركهم وتجوع.”

كحال كثيرين ممن تحدثوا إلى الوكالة، رفض عبدالسلام ذكر اسمه الكامل خوفاً على أقاربه الذين ما زالوا يعيشون تحت حكم الحوثيين.

قبضة من حديد

تكشف مقابلات أجرتها رويترز مع مدنيين يمنيين وعشرات من موظفي الإغاثة، ووثائق داخلية لوكالات أممية، عن شبكة معقدة من السيطرة الحوثية على الحياة اليومية في مناطق نفوذها.

وبحسب تلك الشهادات، تفرض مليشيا الحوثي ضرائب مرهقة على السكان، تتلاعب بنظام المساعدات الإنسانية، وتزج بالمئات في السجون بتهم واهية.

ففي أغسطس الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن الحوثيين اختطفوا 15 من موظفيه بعد مداهمة مكاتبه في صنعاء، ليرتفع عدد المحتجزين من العاملين الإنسانيين إلى 53 شخصاً.

يقول “أبو حمزة”، وهو أحد الفارين من تلك المناطق: “عشت عاماً في سجن تحت الأرض لأنني تحدثت ضد الحوثيين في جلسة قات... نحن محكومون بمليشيا تحكم باسم الدين.”

بلد يمزقه الجوع

اليمن الذي تمزقه الحرب منذ عام 2014 يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. فوفق تصنيف الأمن الغذائي العالمي (IPC)، فإن أكثر من 17 مليون شخص من أصل 40 مليون يمني يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.

تراجع تمويل المانحين زاد من عمق الكارثة، خصوصاً بعد خفض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المساعدات الخارجية، ما أوقف العديد من برامج الإغاثة الحيوية التي كانت تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وزارة الخارجية الأمريكية حملت مليشيا الحوثي مسؤولية تفاقم الأزمة، مؤكدة أن “رفضهم السماح بإيصال المساعدات بأمان يسهم مباشرة في اتساع رقعة الجوع شمالي اليمن الذي يخضع لقبضة الحوثيين.”

الوجه الإقليمي للصراع

منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، استغلت مليشيا الحوثي الأحداث لتوسيع حضورها الإقليمي تحت شعار “نصرة فلسطين” من خلال تنفيذ هجمات على السفن التجارية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، ردت عليها إسرائيل بضربات جوية استهدفت بنى تحتية ومواقع للجماعة، بينها هجوم في أغسطس 2025 أسفر عن مقتل رئيس وزراء الجماعة وعدد من وزرائه.

لكن هذه الضربات لم توقف هجمات المليشيا المدعومة من إيران على السفن في البحر الأحمر أو الأراضي الإسرائيلية، وهو ما تستخدمه لتعبئة الشارع اليمني واستدرار التعاطف الشعبي.

الباحثة اليمنية ميساء شجاع الدين ترى أن “الحوثيين وجدوا في حرب غزة فرصة لإعادة تلميع صورتهم، رغم تصاعد الغضب الشعبي ضدهم نتيجة الانهيار المعيشي في الداخل.”

أما نائب المتحدث الحوثي ورئيس وكالة الأنباء اليمنية سبأ في نسختها المختطفة "نصر الدين عامر"  فينفي الاتهامات مبرراً بالقول إن “شعارنا منذ اليوم الأول كان الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، ولسنا من يستغل الأحداث.”

زعيم الشاشات

يقود عبد الملك الحوثي، الجماعة منذ نحو عقدين، محتكماً بدائرة ضيقة من المقربين وأفراد العائلة، دون ظهور علني سوى عبر شاشات التلفزيون في خطاباته الأسبوعية أمام الحشود التي يفرض مشرفو الجماعة في صنعاء والمحافظات الأخرى اقتيادهم إلى الساحات أو القاعات للاستماع إليها. فهو لا يثق بأحد -أي عبدالملك الحوثي- حتى يجرؤ على الظهور علناً، بحسب مصادر مقربة منه.

وينتمي الحوثيون إلى المذهب الزيدي، أحد فرق الشيعة التي كان لها نفوذ في الحكومة اليمنية التي أسست على العدالة والمساواة وإزالة الفوارق والطبقات، وهو ما استغلته المليشيا لتنفذ انقلابها في سبتمبر/ أيلول 2014، في محاولة منها إعادة أمجاد أجدادها ونظامهم الكهنوتي المستبد الذي أطاحت به ثورة 26 سبتمبر 1962.

وتؤكد منظمات حقوقية أن آلاف اليمنيين تعرضوا للاختطاف والتعذيب في سجون الجماعة، في حين يستمر عامر بالمكابرة والنفي قائلاً: “هي مسيرة عودة إلى القرآن، لا مسيرة أسرية.”، غير مكترث للتقارير التي توثق عنصرية الجماعة.

تلاعب بالمساعدات الإنسانية

بين عامي 2015 و2024، جمعت الأمم المتحدة أكثر من 28 مليار دولار لمساعدة اليمن، ذهب ثلثها إلى برنامج الأغذية العالمي لإطعام 12 مليون شخص شهرياً، معظمهم في مناطق سيطرة الحوثيين.

لكن تحقيق "رويترز"  أظهر أن مليشيا الحوثي حولت مسار جزء كبير من تلك المساعدات لصالح مقاتليها، بينما حُرم المحتاجون الحقيقيون منها.

يقول فواز، نازح من محافظة حجة، إن سلطات الحوثيين خيرته بين الحصول على سلة غذائية أو الانضمام إلى صفوفهم. وعندما رفض، وُصف بـ“العدو” وحُرم من المساعدة. مؤكداً “قالوا لي: إذا تريد الأكل، لازم تهتف الموت لأمريكا.”

تفاقم الوضع أكثر، حتى قرر برنامج الأغذية العالمي تعليق توزيع المساعدات في شمالي اليمن عام 2023 بعد فشل الاتفاق مع مليشيا الحوثي حول آلية تحديد المستفيدين الحقيقيين.

المتحدث الحوثي وصف البرنامج بأنه “ذراع أمريكية”، متهماً المنظمات الدولية بتنفيذ “أجندة استخباراتية” ضد اليمنيين، رغم أن الجماعة كانت المستفيد الأكبر من تلك المساعدات إلى قبل توقيفها، وهو ما يفضح أكاذيب التبريرات الحوثية.

تكميم المراقبين وإعدام الشهود

حوّل الحوثيون رقابة الأمم المتحدة إلى مسرح صوري بعد أن داهموا مكاتب شركات محلية كانت تراقب توزيع المساعدات. 

ففي يناير 2023، اختطف عدنان الحرازي، رئيس شركة “برودجي سيستمز”، وحُكم عليه بالإعدام لاحقاً قبل تخفيف الحكم إلى السجن 15 عاماً بتهمة “التجسس”.

وقال موظفون في تلك الشركات إنهم اضطروا لتلفيق بيانات من منازلهم خوفاً من بطش الحوثيين، فيما أكدت الأمم المتحدة أن “المخاطر الأمنية التي تهدد المراقبين بلغت مستوى غير مقبول.”

تواطؤ وصمت دولي

وقال 12 موظفاً أممياً حاليين وسابقين لـ"رويترز" إن عدم وضع الأمم المتحدة خطوطاً حمراء واضحة مكّن مليشيا الحوثي من سرقة المساعدات على نطاق واسع.

وأشاروا إلى أن المنظمة “تعلم منذ سنوات أن بيانات الأمن الغذائي مزورة، لكنها واصلت العمل بذات الآليات.”

تقرير داخلي لبرنامج الأغذية، صدر في يناير 2024، وثّق ممارسات مثل “مصادرة الغذاء لإطعام المقاتلين” و“حجب المساعدات لتجنيد الأطفال”، لكن البرنامج لم ينشره بدعوى “عدم استيفائه المعايير العلمية”.

من الجوع إلى الجبهات

فرّ عشرات الآلاف من مناطق مليشيا الحوثي هرباً من الجوع والقمع أو خوفاً من تجنيد أبنائهم. ففي مخيمات النزوح بعدن ومأرب ولحج، تعيش الأسر على وجبة واحدة يومياً.

يقول إسماعيل، أب لخمسة أطفال: “إذا أكلنا الفطور، لا نأكل غداء... نعيش يوم بيوم.”

أما فلة الهادي، وهي أم لأربعة أطفال، تقضي يومها في جمع بقايا الطعام من مطاعم عدن فتقول: “نمشي مسافات طويلة نجمع الأكل... بس الحمد لله، أولادي بعيد عن الجبهات.”

منظمة هيومن رايتس ووتش تؤكد أن الحوثيين جندوا الأطفال بشكل ممنهج منذ 2009، وأن وتيرة التجنيد ارتفعت بعد حرب غزة.

وفي هذا الصدد، يقول عبد المغني السناني، الذي جُنّد في العاشرة من عمره: “كانوا يقولوا لنا إن الطريق إلى الجنة يمر عبر عبد الملك الحوثي.”

ضرائب وجبايات

لم يسلم التجار وأصحاب الأعمال الصغيرة من الجبايات الحوثية بأنواعها، حيث يقول أبو حمزة، الذي كان يملك بقالة في صنعاء، إنه اضطر إلى بيع كل ما يملك بعدما أغرقته الضرائب في الديون: “كل يوم يجي مشرف يأخذ جباية... وبعدين يطلبوني أشارك في مسيرات الجمعة.”

وفي عام 2021، فر مع عائلته إلى مأرب بعد أن أفلس تماماً.

رغم نفي المتحدث الحوثي فرض أي ضرائب جديدة منذ 2014، تؤكد شهادات وتقارير متعددة أن الجماعة وسعت شبكاتها الجبائية حتى شملت أبسط الأنشطة التجارية.

وبعد مرور أكثر من عقد على الحرب التي اندلعت جراء الانقلاب الحوثي، والتجويع الممنهج الذي تفرضه المليشيا على ملايين اليمنيين، لا تزال التقارير الدولية والأممية مجرد حبر على ورق، في حين الولايات المتحدة التي تزعم أنها ضد سياسة الإرهاب الحوثي لم تخرج من دائرة الضجيج الإعلامي إلا من ضربات محدودة جاءت اسناداً لإسرائيل وباعتراف الرئيس ترامب شخصياً.