إب فوق برميل بارود.. محطات الغاز تغتال الأمان في الأحياء المكتظة
تغير وجه مدينة إب، التي كانت تُعرف باللواء الأخضر لجمالها وطبيعتها، ليتحول إلى مشهد مقلق تختلط فيه رائحة البترول بالخوف. ففي سباق جنوني مع الزمن، تنتشر محطات تعبئة الغاز والمشتقات النفطية (البترول السفري) كالفطر السام داخل أزقة وشوارع المدينة المكتظة بالسكان.
هذه المحطات، التي يصفها الأهالي بالقنابل الموقوتة, تعمل بغطاء من النفوذ وتفتقر لأبسط شروط السلامة، محولةً حياة المواطنين إلى قلق دائم ومخاطر حقيقية.
النفوذ يشرعن الخطر
القصة تبدأ من دهاليز النفوذ. إذ يشير مواطنون ومصادر محلية إلى أن الانتشار المفاجئ والواسع لهذه المحطات غير العادية يعود إلى تسهيلات وتراخيص غير رسمية مُنحت لشخصيات نافذة وغالبيتها محسوبة على مليشيا الحوثي، وتأتي من خارج المحافظة.
يتم استقدام هذه المشاريع كمنافذ لبيع الغاز والبترول تحت شعار توفير المادة لكنها في الواقع ما هي إلا واجهة للسوق السوداء، المنظمة التي تدر أرباحاً هائلة لأصحابها.
يتم ذلك بتجاهل تام لكل ما يتعلق بالتخطيط العمراني واشتراطات السلامة، مؤكدين أن النفوذ هنا أقوى من القانون، والمصلحة الشخصية تسمو على المصلحة العامة.
الخطر المُحدق... غياب تام لمعايير السلامة
تُقام هذه المحطات، بخزاناتها الضخمة ومضخاتها المعرضة للحرارة والعبث، على بُعد أمتار قليلة من منازل المواطنين المكتظة، وأحياناً ملاصقة للجدران.
إنها تفتقر لأدنى المعايير الدولية.. لا أسوار واقية، لا أنظمة إطفاء متكاملة، ولا أجهزة استشعار للتسرب. أي شرارة أو خطأ بشري بسيط في هذه المنشآت الهشة كفيل بتحويل حي بأكمله إلى ركام، في ظل تداول تقارير عن حوادث حرائق سابقة قريبة من المدينة لم تكن رادعاً للمتنفذين، بل مجرد ضريبة مؤقتة لاستمرار عملهم.
صرخات الأهالي تُباع في السوق السوداء
منذ بدء تفاقم الظاهرة، لم يكف المواطنون عن إطلاق نداءات استغاثة موجهة للسلطة المحلية في إب، الخاضعة لسطوة وهينمة الحوثي، محذرين من كارثة وشيكة.
لكن تلكم المناشدات والعرائض، بما في ذلك المطالبات بإزالة محطات من أحياء مثل "الشعاب"، قوبلت بالمماطلة والتجاهل التام.
ما يفاقم الأزمة هو أن سلطات الأمر الواقع نفسها تضغط على شركة الغاز الحكومية وموظفيها عبر أتباعها، لعرقلة التوزيع الرسمي بالأسعار المخفضة.
الهدف واضح، إجبار المواطن على اللجوء إلى المحطات العشوائية التابعة لهم، مما يربط بشكل مباشر بين أزمة الخدمات وتهديد السلامة العامة لصالح جيوب المتنفذين الحوثيين
استجابة متواضعة تُخضع القانون لسيطرة النفوذ
في الوقت الذي كان من المفترض أن يتدخل فيه الدفاع المدني والأجهزة الأمنية لتنفيذ القانون وإزالة هذه المخالفات الخطرة فوراً، يشير الواقع إلى أن الاستجابة الرسمية الحوثية في إب ظلت هزيلة ومخيبة للآمال. أي تحرك لرفع المحطات يُقابل بضغوط عليا، ليعود الوضع سريعاً إلى ما كان عليه.
هذا المشهد يؤكد أن المشكلة لم تعد تتعلق بغياب القانون بقدر ما تتعلق بنفوذ يحمي المخالفين، ويجعل من المسؤولين مجرد متفرجين على أزمة الأمان في مدينتهم. إب اليوم تنتظر الكارثة لكي يستفيق المعنيون من سباتهم الاقتصادي والرقابي.