الانهيار الاقتصادي وتجنيد الفقر يلهبان الجريمة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي

تُواجه المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي في اليمن، لا سيما المراكز الحضرية كصنعاء وإب وذمار، تصاعداً مقلقاً وغير مسبوق في معدلات الجريمة المنظمة والفردية على حد سواء. هذه الظاهرة لا تقتصر على الجرائم التقليدية كالسرقة والاعتداء، بل تشمل جرائم حديثة ومعقدة تتعلق بالاقتصاد غير المشروع والمخدرات والابتزاز.

يمثل هذا الارتفاع مؤشراً خطيراً على تآكل منظومة الأمن والقانون التي تم تفكيكها بعد الانقلاب الحوثي، مما يُهدد النسيج الاجتماعي ويدفع بالمدن نحو حالة من الفوضى المُنظمة، وهو ما يتطلب تحليلاً معمقاً للأسباب والآثار المترتبة على هذا التدهور.

العوامل الدافعة

يمكن إرجاع ظاهرة ارتفاع معدلات الجريمة إلى تداخل معقد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمؤسسية، حيث يُعد الانهيار الاقتصادي الحاد وتوقف صرف مرتبات موظفي الدولة لسنوات طويلة السبب الأبرز على الإطلاق، فقد دفع الجوع واليأس فئات واسعة، لا سيما الشباب، نحو ارتكاب الجرائم كوسيلة وحيدة للبقاء، وتشهد جرائم السرقة، والنهب المسلح، والاحتيال المالي ارتفاعاً قياسياً.

إلى جانب ذلك، هناك تفكك كبير في السلطة القضائية والأمنية التي تديرها مليشيات الحوثي، فعلى الرغم من إحكام السيطرة العسكرية، هناك ضعف بنيوي ناجم عن تسييس القضاء واستخدامه لتصفية الحسابات أو لخدمة مصالح نافذين، مما أفقد هذه المؤسسات رادعها الأساسي، إضافة إلى فشل إنفاذ القانون وعدم وجود إجراءات صارمة لردع الجريمة، وفي كثير من الأحيان يتم إطلاق سراح المتهمين بجرائم خطيرة بتدخلات قبلية أو سياسية. ولا يمكن إغفال دور انتشار السلاح، حيث إن استمرار حالة الحرب وتداول السلاح الخفيف والمتوسط خارج نطاق القانون جعل ارتكاب الجرائم المسلحة، كجرائم القتل وقطع الطرق والاعتداءات، أمراً أسهل وأكثر شيوعاً.

تجنيد الفقر وتعبئة العنف

يُضاف إلى العوامل السابقة بُعد خطير يتعلق بمنفذي الجرائم أنفسهم، حيث تشير تقارير محلية ومتابعات ميدانية إلى أن نسبة كبيرة من مرتكبي الجرائم الخطيرة هم من الأفراد الذين تم استقطابهم من الأسر الفقيرة والمهمشة التي تم استغلال وضعها المادي الصعب.

يتم تجنيد هؤلاء الشباب وتلقينهم دورات عسكرية خاصة بمليشيات الحوثي توفر لهم تدريباً على استخدام السلاح والتخطيط وكسر الحاجز النفسي لارتكاب العنف، إلى جانب تعبئة عنصرية وطائفية تعمل على نزع الاحترام لسلطة القانون المدني واستبدالها بالولاء المطلق للمشروع الحوثي. 

وعندما يتم تسريح هؤلاء العناصر من الجبهات أو عندما يجدون أنفسهم بلا مورد أو وظيفه، يستخدمون الخبرة القتالية والتدريب الذي تلقوه في ارتكاب جرائم النهب المسلح، والابتزاز، والاعتداءات الشخصية، لتعويض غياب الدخل، مما يحولهم من مقاتلين إلى مجرمين خطرين يمتلكون المهارة والغطاء الأيديولوجي لاستخدام القوة.

أنماط الجريمة المتصاعدة

لم يعد المشهد الإجرامي في مناطق سيطرة الانقلاب الحوثي مقتصراً على الجرائم البسيطة، بل تطور ليشمل أنماطاً أكثر خطورة ترتبط غالباً بأطراف حوثية متنفذة، حيث أصبحت جرائم الاعتداء على الممتلكات كالنهب والسطو وظاهرة اقتحام المنازل والمحلات التجارية، وسرقة المركبات والدراجات النارية تحت تهديد السلاح، أمراً شبه يومي في بعض المدن، ومراكز المديريات التي تقع تحت سيطرة مليشيا الحوثي، وغالباً ما يقوم بها أفراد مدربون عسكرياً. 

كما أن هناك زيادة ملحوظة في تهريب وتداول المواد المخدرة والمهلوسات، لا سيما "الكريستال ميث" (الشبو)، والتي تُساهم في ارتفاع جرائم العنف والقتل العمد نتيجة تأثيرها على متعاطيها.

وتستغل حالة الفوضى الأمنية لإحياء قضايا الثأر القديمة وتزايد جرائم القتل بسبب الخلافات الشخصية البسيطة نتيجة لارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي واليأس. 

كما يُمارس بعض النافذين في المليشيات أنواعاً من الابتزاز المالي تحت مسميات "الرسوم" أو "الجبايات" غير القانونية، مما يعد شكلاً من أشكال الجريمة المنظمة ضد القطاع الخاص والأفراد.

تداعيات

إن تضخم الجريمة في هذه المناطق يحمل تداعيات وخيمة تتجاوز الخسائر المادية والبشرية المباشرة، فهو يولد شعوراً عاماً بانعدام الأمان والخوف، ويدفع المواطنين إلى الانعزال أو حمل السلاح لحماية أنفسهم بدلاً من اللجوء للدولة، مما يفاقم الفوضى.

كما تخلق هذه الظاهرة بيئة طاردة للاستثمار والأعمال، مما يُعوق أي محاولة لإنعاش الاقتصاد، وبالتالي تؤدي إلى هجرة رؤوس الأموال وهروب الكفاءات. 

والأخطر من ذلك هو تدهور التماسك الاجتماعي، حيث تصبح الجريمة نموذجاً محتملاً للبعض في ظل غياب العدالة، مما يُهدد القيم والمعايير الأخلاقية للمجتمع.

تُشير الزيادة الحادة في معدلات الجريمة بمناطق سيطرة المليشيات إلى أن المشكلة أعمق من مجرد قصور أمني، إنها نتيجة مباشرة لفشل الحوثيين في توفير مقومات الحياة الكريمة والعدالة، وتداخل أيديولوجية العنف مع الفقر. لا يمكن معالجة هذه الظاهرة بمعالجات أمنية وقتية فحسب، بل يتطلب الأمر معالجة اقتصادية جذرية عبر استئناف صرف الرواتب وتوفير فرص عمل حقيقية للحد من الفقر المدقع، والأهم هو استقلال القضاء وتحريره من التبعية ليكون رادعاً حقيقياً وملاذاً آمناً للجميع، وهو ما يتنافى مع سياسات مليشيات الحوثي ومشروعها الانقلابي العبثي.. بما في ذلك نزع سلاح الأفراد الخارجين عن القانون وتفكيك المظلة التي توفرها التعبئة لمرتكبي الجرائم الخطيرة. 

ولذا فإنه ما لم يتم استعادة سلطة القانون والمؤسسات الحيادية، وإسقاط مشروع الحوثي الانقلابي سيبقى هذا المنحنى الإجرامي في تصاعد مستمر، مما يُهدد بتحويل مناطق سيطرة الانقلاب إلى بيئة عصية على الاستقرار والتعافي المستقبلي.