آلاف المتطوعين يعملون بلا حقوق… التعليم ينهار في مناطق سيطرة الحوثي
قصص موجعة تكشف استنزاف الكادر التربوي وانهيار العملية التعليمية، وفجوة تربوية تتسع بعد غياب المعلمين وتحولهم إلى مهام أخرى.
تعاني المدارس الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي من تدهور تربوي حاد، بعد أن توقفت رواتب المعلمين لأكثر من تسع سنوات، ما دفع آلاف الكوادر التربوية إلى مغادرة المهنة بحثاً عن مصدر دخل آخر.
وفي ظل هذا الانقطاع الطويل، أصبح المعلمون في مناطق سيطرة المليشيا أمام ثلاثة خيارات شائعة: منهم من اضطر للانضمام كمقاتل أو عنصر ضمن صفوف الحوثيين بحثاً عن مرتب أو امتياز بسيط، ومنهم من غادر منطقته واغترب لتوفير لقمة العيش لأسرته، بينما يقبع آخرون خلف القضبان بعد أن طالتهم حملات الاختطافات والملاحقات التي نفذتها المليشيات بحق التربويين الذين رفضوا التعليمات الطائفية أو لم ينسجموا مع توجهاتها.
ومع هذا الغياب شبه التام للكادر الرسمي، باتت المدارس تعتمد على المتطوعين والمتطوعات الذين يحملون العملية التعليمية على أكتافهم دون عقود أو رواتب أو حماية، وسط ظروف تعليمية تتدهور عاماً بعد آخر.
استبعاد ممنهج للمتطوعين المؤهلين
تشير شهادات تربويين وأولياء أمور في عدد من مديريات محافظة إب إلى أن مليشيا الحوثي، وبعد إدراكها أن المتطوعين والمتطوعات المؤهلين ليسوا من الموالين لها، لجأت إلى إقصائهم بشكل متعمد واستبدالهم بعناصر حوثية لا تحمل مؤهلات تربوية، وبعضهم لم يُكمل حتى المرحلة الأساسية أو الثانوية.
هذا الاستبدال، وفق الأهالي، تسبب في انهيار مستوى التعليم في مدارس عدة، وخلق حالة من الفوضى، حيث أصبح الولاء للمليشيا هو المعيار الوحيد للتعيين، وليس الكفاءة أو الخبرة التربوية. وهو جزء من سياسة أوسع تهدف لإعادة تشكيل البيئة التعليمية بما يتوافق مع توجهاتها الفكرية.
المتطوعون.. بلا راتب ولا حماية
في الكثير من المدارس بمحافظات إب وصنعاء وذمار وعمران، أصبح المتطوعون هم من يدرّسون معظم المواد، ويديرون العملية التعليمية اليومية، في ظل غياب الكادر الرسمي وانشغاله بأنشطة المليشيا، أو تركه للعمل نهائياً.
وإلى جانب الإقصاء والاستبدال، يتعرض المتطوعون لضغوط متزايدة تشمل حرمانهم من الحوافز، وعدم الاعتراف بسنوات خدمتهم، وفرض اشتراطات تعسفية تزيد من معاناتهم، مع انتقائية واضحة في صرف المستحقات.
"تهاني".. نموذج صارخ لمعاناة المتطوعات
تُعد قصة تهاني حسن حسين علي دويد واحدة من أبرز الأمثلة على هذه المعاناة. فمنذ العام 2017 تعمل في مدرسة الثورة بالكُظمه – مديرية السبرة بمحافظة إب، بعد أن استدعيت لتغطية غياب المدرس رسمي.
تسع سنوات متواصلة تحملت فيها مسؤولية خمسة فصول دراسية يومياً، بوصفها المدرّسة الوحيدة لمادة الاجتماعيات في مدرسة خالية تقريباً من الكادر التربوي.
ورغم امتلاكها رقم كود حافز وتنفيذها لعملها على أكمل وجه، حُرمت هذا العام من الحافز الوحيد الذي تعتمد عليه كمصدر دخل، بينما صُرفت الحوافز لآخرين أُدرجت أسماؤهم معها. وتذرّعت الإدارة بوجود خلل فني، قبل أن تتحول المبررات لاحقاً إلى اشتراط تدريس 20 حصة بدلاً من 17، رغم طلبها إضافة ثلاث حصص لاستيفاء الشرط، وهو ما رُفض.
أما المدرس الرسمي الغائب منذ تسع سنوات، فما يزال يتقاضى راتبه كاملاً، فيما تُستنزف جهود تهاني بلا مقابل. وتقول في شكواها: "أصبحت لا حافز ولا شيء… تسع سنوات وأنا ملتزمة أكثر من أي أحد، وفي الأخير لم أحصل على شيء… حسبي الله ونعم الوكيل".
سياسة الاستبدال والفراغ التربوي تهدد مستقبل التعليم
يرى تربويون أن استبدال المتطوعين المؤهلين بعناصر غير تربوية، إلى جانب الفراغ الكبير الناتج عن غياب المعلمين الرسميين، يُعد أحد أخطر أسباب الانهيار المتسارع للتعليم في مناطق سيطرة الحوثي.
ويحذرون من أن استمرار الوضع على هذا النحو سيخلق جيلاً كاملاً يتلقى تعليمه على يد أشخاص غير مؤهلين، بينما تُهدر خبرات المتطوعين الحقيقيين الذين يحملون المدارس على أكتافهم.
دعوات لإنهاء الاستغلال
يطالب تربويون وحقوقيون بوقف الاستغلال الذي يتعرض له آلاف المتطوعين والمتطوعات، ووضع آلية عادلة لصرف الحوافز، وحماية من تبقى من الكادر التربوي المؤهل، وإعادة النظر في التعيينات القائمة على الولاء لا الكفاءة.
قصة تهاني وغيرها من القصص تكشف حقيقة الواقع التعليمي اليوم… تعليمٌ يتهاوى، وكوادر تُقصى، ومتطوعون يُستنزفون، فيما يظل الطلاب الضحية الأكبر لهذه الفوضى.