العنفوانُ الحِمْيَري والرحمة على آخر التَّبـابِعَة
تأملوا هذا المحيّا.. ألا ترون فيه شمـوخ "حِمْيَر" وعنفوان "سبأ"؟
هنا تتجلى ملامح الزعيم السبئي العظيم، علي عبدالله صالح؛ كآخر الرجال الكبار بأرض سباء ذاك الذي عبر التاريخ كآخر "تُبّع" يماني حَكمَ الأرض السعيدة لـ33 عاما، تربع على عرشها لثلاثة عقود ونيف. لم يكن مجرد حاكم، بل كان المَلِك غير المتوّج الذي لملم شتات الجغرافيا، وبسط رداء هيبته من ذُرى صعدة شمالاً حتى خليج عدن جنوباً، ومن سواحل ميدي غرباً وصولاً إلى أساطير سقطرى شـرقاً.
مئتا عامٍ مضت ولم يعرف اليمنُ كبيراً يجمعه تحت راية واحدة سواه. قبله، كان الشتات والتمزق سيد الموقف، وبعده.. انفرط العِقدُ من جديد، امانة الله ان قلوبنا تقطر دما ونحن نرى اليمن اليوم يتمزق ويتشرذم ويعبث به الاوغاد ،ونرحم عليك ياصالح بعد ان توزعت البلاد بين مشاريع صغيرة، وكنتونات ضيقة، وأمراء حربٍ استبدلوا الولاء للوطن بالولاء للخارج.
ماعرف اليمنيون شمالا وجنوبا قيمتك كأب لهم الا بعد ان فقدوك، اعجبني يمني بسيط مدرس وتربوي من ابناء شرعب السلام التقيت به بالصدفة بمقيل صديقي امس الاول، طلع من تعز وكان مقيل لدى صديقي لانه من بلدياته واستذكرنا سويا الزمن الجميل، فتنهد وتحسر على صالح وزمانه، وقال "اح اح عليك يا علي عبدالله، والله لوكان دارين ان احنا شاء نوصل الى هذا الوضع لكنا شاء نخليك تحكم لاولد الولد لاسابع ابن ولاصدقنا التحريض انك ناوي تورثها لعيالك"
وحقا ما يكرهك الا امامي ،او انفصالي صغير..
شتّان بين مَن يرى اليمن "كبيراً" بحجم أحلامه، وبين من تقزّموا في طائفيّتهم أو انحصروا في عقدهم المناطقية؛ هؤلاء الذين ضاقت بهم الأرض فصاروا يحلمون بحكم "مُثّلث" أو "زاوية"، غافلين عن أن اليمن لا يقبل القسمة إلا على العظمة.
يقولون إن للزمان دورةً قُدسية تكتمل كل 33 عاماً؛ حيث تعود النجوم لمواقعها، وتستعيد الكواكب اصطفافها، وكأن الكون يعيد ترتيب نفسه من جديد..
فهل يُعيد التاريخ نفسه؟ وهل تُشرق من رحم الثمانِ والثلاث دورةً جديدةً تُعيد لليمن صولته وللحِمْيَريين عنفوانهم؟
ويا غبيَّ الزمان.. آخرُ ثلاثٍ وثمان!