صراع المعسكر الواحد.. تصعيد الانتقالي يضع الشرعية والتحالف أمام اختبار مصيري "تقرير"

دخلت الأزمة اليمنية مرحلة جديدة من التعقيد مع تصاعد التحركات العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، في تطور يهدد بإشعال صراع داخلي داخل المعسكر المناهض لمليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانياً، ويضع مجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي أمام خيارات صعبة.

فمنذ الـ9 من ديسمبر الجاري، عزز المجلس الانتقالي انتشاره العسكري في المحافظتين الشرقيتين، الأمر الذي اعتبرته الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً محاولة لفرض أمر واقع بالقوة في مناطق تُعد من الأكثر أهمية استراتيجياً واقتصادياً، ولم تشهد خلال السنوات الماضية صراعات واسعة النطاق.

وجاءت هذه التحركات في وقت أكدت فيه وزارة الخارجية السعودية، في بيان صدر يوم الخميس 25 ديسمبر، أن قرارات المجلس الانتقالي كانت "أحادية"، ولم تُناقش مع مجلس القيادة الرئاسي أو الحكومة اليمنية أو التحالف العربي الداعم للشرعية.

وأضاف البيان أن الرياض أرسلت في حينه لجنة للتفاوض مع قيادة الانتقالي في عدن، بهدف سحب قواته من حضرموت بشكل هادئ، واستبدالها بقوات "درع الوطن"  التابعة مباشرة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي.

لكن مصادر حكومية قالت إن المجلس الانتقالي لم يتجاوب مع الجهود السعودية، بل صعّد سياسياً عبر دفع مسؤولين معيّنين محسوبين عليه  -من وزراء ووكلاء ورؤساء هيئات ومحافظين- لإصدار بيانات تأييد لتحركاته العسكرية.

واعتبرت الحكومة أن هذه المواقف تمثل "استغلالاً للمناصب الرسمية" وتقويضاً لمرجعية الدولة، في مؤشر على تعمق الانقسام داخل مؤسسات الشرعية نفسها.

مواجهة مفتوحة.. رفض سعودي

هذا التصعيد دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى عقد اجتماع موسع يوم الجمعة 26 ديسمبر الجاري، لما سُمي "مجلس الدفاع الوطني"، بحضور عدد من أعضاء مجلس القيادة، ورئيس الوزراء، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، إلى جانب قيادات عسكرية وأمنية ومحافظ حضرموت. 

ويرى مراقبون للمشهد أن الاجتماع يحمل رسائل عديدة أبرزها، انتقال القيادة اليمنية من سياسة الاحتواء إلى الاستعداد للمواجهة، في ظل تراجع الخيارات السياسية. كما ان تشكيل هذا المجلس يحمل العديد من الرسائل والدلالات التي يمكن اختزال جميعها في أن الدولة - أو ما تبقى من رمزيتها - تشعر بتهديد وجودي.

وفي اليوم نفسه، طلب رشاد العليمي من قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية اتخاذ تدابير عسكرية لحماية المدنيين في حضرموت، ومساندة القوات الحكومية في فرض التهدئة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ".

ووصف مصدر حكومي التصعيد المستمر للمجلس الانتقالي منذ مطلع الشهر بأنه "خرق صريح" لمرجعيات المرحلة الانتقالية، بما فيها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، وتقويض لجهود الوساطة التي تقودها المملكة العربية السعودية.

وتزامنت هذه التطورات المتسارعة مع تنفيذ مقاتلات سعودية ضربات جوية استهدفت مواقع لقوات "النخبة الحضرمية"  التابعة للمجلس الانتقالي في حضرموت، في خطوة فسّرها محللون على أنها رسالة واضحة بأن الرياض لن تسمح بتغيير موازين القوى بالقوة في مناطق حساسة، رغم حرصها على تجنب مواجهة مفتوحة داخل معسكر الشرعية.

الانتقالي يرد..!

من جانبه، قال المجلس الانتقالي الجنوبي في بيان صدر يوم الجمعة، رداً على البيان السعودي، إنه "منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات تضمن المصالح المشتركة مع المملكة العربية السعودية”، محذراً من أن أي تحركات خارج هذا الإطار " لن تخدم أي مسار تفاهم".

واعتبر محللون أن صيغة البيان تعكس تمسك المجلس بالواقع الذي أفرزته تحركاته الأخيرة، في إشارة إلى صعوبة العودة إلى الترتيبات السابقة.

وفي المقابل، تقول مصادر حكومية إن البيان لم يتطرق إلى التوتر المتصاعد في المحافظات الشرقية، عقب الانتشار العسكري لقوات تابعة للمجلس في مناطق تُعد ذات حساسية أمنية بالنسبة للمملكة العربية السعودية. 

وأضافت المصادر أن هذه التحركات تثير تساؤلات داخل دوائر القرار الإقليمي حول طبيعة تلك القوات ومرجعيتها، في ظل تشكيلها خارج الأطر الرسمية للمؤسستين العسكرية والأمنية التابعتين للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.

صراع النفوذ والقرار

يرى محللون أن التصعيد الحالي بعد انعكاساً لصراع أعمق حول النفوذ والقرار داخل المناطق المحررة، في وقت تعاني فيه الحكومة اليمنية من ضعف مؤسساتي وانقسامات سياسية حادة. 

ويحذر هؤلاء من أن أي انزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة بين أطراف الشرعية قد يبدد مكاسب السنوات الماضية، ويمنح مليشيا الحوثي فرصة لتعزيز مواقعها على الأرض دون مواجهة مباشرة.

وفي ظل غياب تسوية واضحة، يبقى مستقبل اليمن معلقاً بين مساعٍ إقليمية لإعادة ضبط التوازن داخل معسكر الشرعية، ومخاطر تفكك داخلي قد يعيد رسم خريطة الصراع، ويطيل أمد الحرب التي دخلت عامها الحادي عشر.