ترسانة إيران تهدد المنطقة.. هل يمكن نزع سلاح حزب الله دون قرار من طهران وما مصير الحوثيين؟
يتجدّد الجدل الإقليمي والدولي حول مصير الترسانة العسكرية التي تحتفظ بها الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، وعلى رأسها "حزب الله" في لبنان و"الحوثيون" في اليمن. وبينما تصرّ هذه التنظيمات على التمسك بسلاحها باعتباره جزءاً من هويتها ووجودها، تتنامى المخاوف من أن يتحوّل إلى "قنابل موقوتة" تفجّر استقرار المنطقة بأسرها، فالسلاح ليس لبنانياً أو يمنياً، بل هو في جوهره إيراني المنشأ، إرادةً وتمويلاً وتصنيعاً، وهو ما يُبقي مصير هذه الجماعات رهيناً للقرار الإيراني أكثر من ارتباطه بسيادة أوطانها.
أثار الحوار المسدود الأفق بين الحكومة اللبنانية و"حزب الله" موجة تساؤلات حول مصير الحزب العقائدي المموَّل عسكرياً واقتصادياً بالدرجة الأولى من إيران، بعد نزع سلاحه الذي يعود امتلاكه فعلياً إلى طهران، وحصر حق حمل السلاح بيد الحكومة اللبنانية.
الجلسات التي عُقدت الأسبوع الماضي في بيروت بين الجانب الأمريكي والإسرائيلي من جهة، والحكومة اللبنانية من جهة أخرى، أفضت إلى حوارات ساخنة بين الحكومة و"حزب الله" شددت على ضرورة تسليم سلاحه للدولة لوقف نزيف الدم اللبناني. غير أنّ نهايتها لم تُسفر حتى عن "ثقب إبرة" من الأمل أو عن أدنى تفاهمات قد تصب في مصلحة لبنان وشعبها، لا في صالح التنظيم وأيديولوجيته.
حوار مسدود
هذا الحوار المسدود استرعى انتباه الغرب والشرق معاً، نظراً لجوهر القضية التي تُختصر في "خطوة البداية" المتمثلة في طهران، باعتبار أن السلاح سلاحها والفكر فكرها، بينما اللجام اللبناني ما زال بيدها.
تقرير نشره موقع مجلة "المجلة" أشار إلى أن الأطراف الدولية خلصت إلى أن الحوار مع "حزب الله" مضيعة للوقت، وأن من الضروري التوجه مباشرة إلى إيران، على اعتبار أن ترسانة "حزب الله" ليست سوى مستودع إيراني في جنوب لبنان، وما يُطلق منها لا يتم إلا بقرار من طهران وفق حسابات المواجهة مع إسرائيل.
ولفت التقرير إلى أنه من الصعب التكهن بإمكان نزع السلاح الإيراني من "الحزب"، أو ما تبقى منه بعد تدمير جزء كبير خلال المواجهات الأخيرة. ذلك لأن هذا السلاح ــ وفق التقرير ــ هو "حزب الله"، والحزب هو السلاح نفسه، سواءً أكان مهرَّباً من إيران أو مُطوَّراً داخل الجنوب اللبناني بأيدي خبراء وأموال إيرانية على مدى عقود.
وأشار التقرير إلى أن طهران لم تعد قادرة على ضمان بقاء سلاح جماعاتها العقائدية بيدها، وهو ما قد يحول هذا السلاح إلى "حقول ألغام" تفخخ مستقبل المنطقة بمزيد من الحروب والنزاعات، التي أثبتت التجارب أن التدخل الإيراني فيها لم يحقق مصالحها، بل تسبب بكوارث إنسانية كبرى في مختلف الدول التي امتدت إليها يدها.
اليمن كان واحداً من تلك الدول التي طالتها يد إيران عبر ذراعها الحوثية الطائفية، لكن بظروف مختلفة، خصوصاً أن المجتمع القبلي اليمني متنوع التركيبة، وكان يملك منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ــ بحسب تقديرات دولية ــ نحو 60 مليون قطعة سلاح خفيف ومتوسط وثقيل، أي بمعدل قطعتين لكل فرد، نتيجة الحروب المتعاقبة التي شهدتها البلاد.
خبراء بهويات مزوّرة
وأوضح التقرير أن اليمن تحوّل إلى سوق مفتوحة لتجارة الأسلحة، وهو ما دفع إيران إلى تمويل حلفائها الحوثيين للشراء منه، باعتباره أيسر من التهريب.
أما عمليات التهريب فاقتُصرت على إدخال الصواريخ والطائرات المسيّرة والذخائر المتطورة، ضمن منظومة تصنيع حربي استلهمت خبرتها من الحرب الإيرانية – العراقية، حيث اعتمدت على تكتيكات حرب العصابات والتخفي لتقليل فاعلية الطائرات والدبابات، والبحث عن تحقيق الانتصارات الإعلامية.
وبقدر ما يمثل هذا التطور بعداً عسكرياً وتكنولوجياً، فإن التقرير أرجعه إلى الأثر المعنوي والإعلامي الذي أحدثه سقوط صاروخ "سكود" على بغداد أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، رغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها إيران آنذاك. فذلك الحدث دفعها إلى الاستثمار المبكر في التصنيع الحربي، بدءاً من الصواريخ ثم المسيّرات.
ويخلص التقرير إلى أنه "لو لم تكن مليشيا الحوثي و"حزب الله" والفصائل الشيعية مجرد أذرع مسلحة لإيران وتابعة لأوامرها، لما كان ثمة مانع من دمجها في جيوش دولها".
ويرى أن الوضع في اليمن أكثر تعقيداً، بعد نجاح إيران في إنشاء صناعة حربية داخل الأراضي اليمنية، عبر خبراء دخلوا بهويات مزوّرة، وفق ما أثبتته تقارير دولية عدة.
ونقل تقرير مجلة "المجلة" شهادة سياسي يمني مقرَّب من الحوثيين سابقاً، أكد أن كل السلاح المصنَّع في اليمن "إيراني بالكامل"، بإشراف خبراء من "الحرس الثوري" و"حزب الله".
كما دعم هذا القول طبيب جراح ذكر أنه عالج إصابات خطيرة لخبراء إيرانيين أصيبوا في غارات استهدفت ورش تصنيع ومنصات إطلاق، وهي رواية تكررت في إفادات أطباء آخرين خلال ضربات جوية عام 2020 استهدفت مواقع الحوثيين في جبهة نهم.
تقنيات عسكرية
وتتجاوز خطورة المشهد ذلك بكثير، مع استمرار تهريب مكونات وتقنيات عسكرية متقدمة لمليشيا الحوثي، بينها مواد كيميائية خطيرة تُستخدم في صناعة العبوات الناسفة والصواريخ والمتفجرات البحرية، بحسب اعترافات مهربين وتصريحات خبراء عسكريين.
وأكد العميد علي الذهب أن عمليات التهريب ازدادت وتيرتها رغم الإجراءات المشددة، مشيراً إلى أن سفينة "الشروا" التي ضُبطت وعلى متنها نحو 750 طناً من الأسلحة لم تكن سوى "رأس جبل الجليد"، فيما نجحت شحنات أخرى بالوصول إلى الحوثيين عبر منافذ متعددة.
صدى إعلامي
وبرغم كل الأدلة ضد إيران، يرى التقرير أن استخدامها لأسلحتها في اليمن يهدف أساساً لإحداث صدى إعلامي، أكثر من تحقيق أهداف عسكرية مباشرة، إذ لم تُستهدف مصالح إسرائيلية أو غربية قريبة من اليمن، وإنما كانت الضربات موجهة لأهداف بعيدة لكنها تحقق لإيران وأذرعها "انتصارات دعائية" في الإعلام.
هذه الشواهد تفضح مخاوف طهران من إسرائيل والولايات المتحدة، وتكشف أنها تكتفي باستخدام أذرعها لتمزيق المنطقة العربية وتسهيل بسط نفوذها، عبر تقويض الحكومات الشرعية في دول مثل العراق ولبنان واليمن وسوريا، مع إذكاء النعرات الطائفية والعرقية فيها.
وتطرح كل هذه التطورات أسئلة جوهرية حول مصير أسلحة هذه الجماعات، وأثر استمرارها بيدها على استقرار الدول والشعوب، خصوصاً في ظل سياسات دولية لا تهدف إلى القضاء على هذه الجماعات أو دمجها، بل إلى إبقائها أدوات تُستخدم عند الحاجة.