اليمني المكلوم.. حين تُجيَّر المأساة لمكياج البطولة الزائف

ماجد زايد

حين تكون الأشلاء دافعًا للظهور، والأوجاع دافعًا للاستغلال، والدم دافعًا للركوب على الآلام.. حين تأتي الملامح المحسنة لتنتهز الفرصة على جراح المنكوبين، حين يحدث هذا كله، اعلم أنك تعيش في زمن خبيث ووضيع وبلا أخلاق. هذا ما ستدركه فعلًا بمجرد مشاهدتك لمقطع صغير يقدمه فتىً أمرد، ووجه أملس، وألوان حمراء، وحلاقة محددة بمنتهى الدقة، هذا الأمرد الخارق يجيد فعلًا صناعة البروباغاندا الحساسة، لكنها على جراح مواطن مغلوب، هذا الفتى أجرى لقاءً مع شاب فقد أسرته ومنزله وحياته كلها، شاب خسر 14 إنسانًا من أسرته، وانتشرت صورته يومها، كواحدة من أكثر اللقطات تعبيرًا عن اليمني وحكايته المكبلة، اليمني في مجابهته للكارثة الصادمة، ثم ماذا بعد هذا كله؟ الأمر غريب وصادم ويتنافى مع الأقوال والأفعال، أرسلوا إليه فتىً ممكيجًا ليلقنه ماذا يقول، ليجعله يردد عبارات مكررة على ركام منزله وبقايا أسرته. الله أيها الجرح اليمني ما أقساك وما ألعنك. 

هذا الفتى المدلع، لا يعرف حتى اسم الشاب المنكوب، لا يعرف حتى حكايته، سأله عن اسمه، ثم أخبره أن صورته انتشرت وهو يبكي على طفلته، لم يكن يعرف شيئًا عن الشاب، غير أن حكاية صادمة عند المواطنين، وهذا يكفي ليعطوه الأولوية، أما أفراد أسرته المدفونين تحت قدمه، مأساة الشاب وغصته، كلها أمور غير مهمة. المهم هنا شيء محدد أنتم تعلمونه. 

بداية الكلام، بعد أن سأله عن اسمه، أضاف أمام الكاميرا بأنه يتحدث أيضًا وما تزال عمليات البحث عن الجثامين قائمة، بعد ثلاثة أيام وجثامين الضحايا لا تزال تحت الأنقاض، هذا أمر لا يهم أيضًا، كل ما يهم الآن تصوير الخطاب العظيم، هيا أصرخ وتحدى المتألمين عليك، وهذا ما حدث. 

لم يتوقف الفتى عن تلقين الشاب المكلوم عبارات الخارقين، لم يتوقف عن حركاته واستعراضه لمحاسن حلاقته أمام الكاميرا، ومع هذا كله، لم يُحمل نفسه عبء أن يقول للشاب: عظم الله أجرك، أو ربنا يصبرك، لم يعزه ولم يبلغه تعازي الآخرين، لم يخبره شيئاً، فقط ماذا تقول للمرتزقة؟ ماذا تقول لكل من بكى عليك وعلى أسرتك؟ ماذا تقول لهم، هيا أخبرهم أنهم مرتزقة بينما نحن الخالدون؟ هيا اشتمهم واجعل العالم يعلم أننا أعتى قوة في هذا العالم؟ ألسنا نحن أبطال الله الخارقين؟ نعم نحن كذلك، وحتى شاهد ملامحي البيضاء. 

هذا البؤس اليمني العابر للعقول، يتكاثر جدًا، عبر مجموعة من الأبواق الغبية والوجوه المرممة بالأدهنة والمبيضات، عن مجموعة شباب زودوهم بمعدات التصوير والإنتاج والسيارات والإضاءات والمايكات والمكياجات والدورات والكثير من الأموال، ليقدموا محتوى موازيًا للفكر والإيديولوجيا، تخيلوا هذا النوع من التنافس في صناعة المحتوى، حين يكون الغلمان الساذجون أصحاب معدات تصوير تتجاوز أثمانها عشرة ملايين ريال، ومبالغ شهرية ثلاثة ملايين ريال، كل هذا، ليصنع محتوى مزيناً بهذا النوع من السذاجة والاستفزاز. 

اللهم خذني، لم يعد بي قدوة على الصبر والبقاء.