غلاء فاحش ورواتب زهيدة.. يمنيون لـ"خبر": الحكومة تخلت عن دورها في حماية الناس ورعاية مصالحهم
تتصاعد معاناة المواطنين في المناطق اليمنية المحررة بصورة مقلقة، نتيجة انهيار الخدمات الأساسية وغياب الرقابة الحكومية على الأسواق، فيما تؤكد تقارير اقتصادية وأممية أن الأوضاع المعيشية تتجه نحو مزيد من التدهور.
ورغم التحسن النسبي في قيمة العملة المحلية، إلا أن ذلك لم ينعكس على حياة الناس، ما يثير تساؤلات حول غياب دور الدولة وتحملها مسؤولية هذا الفشل.
وكالة "خبر"، رصدت خلال جولة ميدانية في مدينة عدن وعدد من المناطق المحررة، شكاوى المواطنين من تنصّل الحكومة من واجباتها تجاه الخدمات العامة والرقابة على الأسعار، في وقت تتفاقم فيه معاناتهم الاقتصادية.
غياب الرقابة وارتفاع الأسعار
شكا مواطنون من استمرار غياب الرقابة الحكومية على أسعار المواد الغذائية، خصوصاً في المخابز والأفران التي تواصل بيع الخبز والروتي بأسعار مرتفعة، رغم تراجع أسعار القمح والدقيق بأكثر من 30%، وفق تقارير اقتصادية. وهو التفاوت الذي يعتبره اقتصاديون انعكاساً لفشل حكومي في ضبط الأسواق وحماية المستهلك.
كما ترفض نقابات النقل في عدن الالتزام بالتسعيرة التي أصدرتها وزارة النقل مؤخراً، بينما اكتفت الأخيرة بالصمت إزاء ذلك. الموقف ذاته تكرر مع ملاك المحطات التجارية لبيع مادة الغاز الذين تجاهلوا التسعيرة الرسمية الصادرة عن شركة الغاز.
ويشير مواطنون إلى أن هذا التقاعس يكشف عن تخادم واضح بين قوى النفوذ والمستثمرين، مؤكدين أن إيرادات نقابات النقل تستحوذ عليها شخصيات نافذة منذ سنوات، ما يدفع النقابات والسائقين إلى رفض أي قرارات حكومية حفاظاً على نفوذهم في مواقف النقل.
انهيار قطاع الكهرباء
ما تزال أزمة الكهرباء أبرز مظاهر الإهمال، إذ تتجاوز مدة الانقطاع في عدن 10 ساعات متواصلة مقابل ساعتين فقط من الخدمة، فيما تصل الانقطاعات في محافظات محررة أخرى مثل الضالع إلى 48 ساعة متتالية.
وتشير تقارير دولية وأخرى للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى أن تدهور كفاءة قطاع الكهرباء والفساد المالي كلّفا الاقتصاد اليمني مليارات الدولارات، فضلاً عن انعكاساته الإنسانية والاجتماعية.
أزمة مرتبات خانقة
يعاني الموظفون الحكوميون من أزمة رواتب خانقة، إذ لم تعد تُصرف بانتظام، فيما تراجعت قيمتها الشرائية بشكل حاد.
وتشير أرقام محلية إلى أن متوسط راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 40 دولاراً شهرياً، مقارنة بـ300 دولار قبل اندلاع الحرب عام 2015، الأمر الذي ساهم في اتساع رقعة الفقر والعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية.
بالمقابل، تفاقمت أزمة الإيجارات في عدن ومدن أخرى، حيث يواجه المستأجرون صعوبات متزايدة في دفع التزاماتهم الشهرية.
وأكد السكان أن إيجارات الشقق الصغيرة والمتوسطة تتراوح بين 100 و250 دولاراً، ما جعل آلاف الأسر مهددة بالطرد أو الاضطرار للعيش في مساكن غير ملائمة. ويصف اقتصاديون هذا الواقع بأنه نتيجة غياب سياسات إسكان عادلة ورقابة على سوق العقارات.
تدهور القطاع الصحي
لم يكن القطاع الصحي أفضل حالاً، إذ توقفت غالبية المستشفيات الحكومية عن تقديم الخدمات الطبية والدوائية المجانية، باستثناء بعض المعاينات البسيطة، وسط غياب النظافة وضعف الرعاية.
في المقابل، ازدهر القطاع الخاص الذي يفرض أسعاراً باهظة، ما جعل العلاج تجارة على حساب الفقراء والمحتاجين، ما ساعد في ارتفاع إحصائيات وفيات المرضى نتيجة عجزهم عن الحصول على الرعاية الطبية المناسبة.
تداعيات خطيرة
هذا التدهور دفع آلاف الأسر، بمن فيها النساء، للبحث عن فرص عمل في ظروف محفوفة بالمخاطر، بينما ظلت أخريات بلا مصدر دخل. ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات سوء التغذية وضعف المناعة بين النساء والأطفال، وفق تقارير أممية.
ويجمع مواطنون وخبراء على أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومة التي عجزت عن تقديم حلول ملموسة أو حتى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والتعليم، تاركة المواطنين يواجهون مصيرهم بمفردهم.
وبينما يواصل المواطنون شكواهم من الغلاء وانعدام الخدمات وتراجع الدخل، تبقى الحكومة عاجزة عن معالجة جذور الأزمات أو وضع خطط طوارئ للتخفيف من آثارها، الأمر الذي يعزز شعوراً عاماً بأن الدولة قد تخلت عن دورها في حماية الناس ورعاية مصالحهم.