تعيين يوسف المداني.. هندسة السلطة داخل الجماعة الحوثية
في لحظةٍ مفصلية من عمر الجماعة الحوثية، جاء تعيين يوسف المداني رئيسًا لهيئة الأركان العامة خلفًا لمحمد الغماري، الذي قضى في غارة إسرائيلية، ليكشف عن تحولات عميقة في بنية السلطة داخل الجماعة، لا مجرد تبديل في المواقع العسكرية.
يوسف المداني ليس مجرد قائد ميداني صاعد، بل واحد من كبار مؤسسي الحركة الحوثية، كما انه هو تجسيد لرمزية هاشمية مكتملة النسب، يتحدر من سلالة الهادي الرسي، في مقابل نسب أسرة الحوثي الذي لطالما كانت محل شك حتى في أوساط الإمامة التقليدية.
بهذا التعيين، لا يُقصى المداني من طموحه القيادي فحسب، بل يُعاد تموضعه ضمن هندسة سلطوية تضمن لعبدالملك الحوثي واسرته، استمرار احتكار القرار، وتحييد أي تهديد داخلي محتمل من داخل البيت الهاشمي نفسه.
منذ تأسيس الحركة على يد حسين الحوثي، بدعم إيراني وتواطؤ محلي، تشكلت نواة سلطوية تقوم على مبدأ "السلطة لمن يملكها"، حيث تم توزيع الولاءات وفق معادلة تبادلية: أعطني ولاءً وخذ سلطة. هذا المنطق، وإن بدا براغماتيًا، كان يحمل في جوهره بذور الاحتكار، إذ انتقلت القيادة من حسين إلى والده بدر الدين، ثم إلى عبدالملك، الذي أمسك بها بقبضة حديدية، مستندًا إلى العصبية الهاشمية في سردية الحق الإلهي والولاية والخُمس، ومغلفًا ذلك بشهوة لا تهدأ للسلطة والنهب.
بعد تدخل التحالف العربي عام 2015م بدأ التغير يطرأ على نظرة الهاشميين إلى السلطة الحوثية وعلى علاقتهم بها. مع استمرار عاصفة الحزم وارتفاع كلفة الحفاظ عليها أمام مقاومة غالبية اليمنيين وعزمهم على استعادة دولتهم وعاصمتهم ، بدأ الهاشميون يدفعون فاتورة الحفاظ على السلطة الحوثية من دمائهم وأرواحهم وأملاكهم بوتيرة متصاعدة. الأمر الذي جعلهم ينظرون الآن، بعد أكثر من عشر سنوات إلى سلطة الحوثي على أنها من إنجازهم، أي إنهم بعد هذا الزمن القاسي وبعد النجاح النسبي في الحفاظ على سلطة الحوثي، هشّم القادة الهاشميون فكرة التسليم بأحقية عبدالملك في السلطة، لصالح تصور جديد يرون فيه إلى أنفسهم على أنهم شركاء في السلطة التي يلمسون كل يوم أنها من إنتاجهم وبالتالي ينتظرون ثمارها.
هذا التحول في الوعي السياسي الهاشمي داخل الجماعة ينذر بصدام داخلي بين أحادية عبدالملك الحوثي وأسرته في حيازة السلطة، وجماعية الجهد الهاشمي في الحفاظ عليها.
فعشرات الأسر الهاشمية التي قدمت [وفق ما يطاقون عليهم] شهداء ومفقودين لم تعد تقبل بالتهميش، وهي تدرك أن أبناءها لم يسقطوا في حرب وطنية ضد محتل، بل في صراع داخلي مزّق البلاد من أجل السلطة.
في هذا السياق، يصبح تعيين المداني محاولة استباقية من عبدالملك الحوثي لإعادة ضبط التوازن داخل الجماعة، عبر تحييد قائد قوي كان يمكن أن يشكل مركز جذب داخل البيت الهاشمي، وربما نواة لانقلاب داخلي مستقبلي. لكن هذه الخطوة، وإن بدت ذكية، قد تفتح الباب لصراعات صامتة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وربما تؤدي إلى انشقاقات أو تمردات ناعمة من داخل البنية الصلبة للجماعة.
في النهاية، ما يفعله عبدالملك الحوثي هو إعادة إنتاج السلطة كميراث فردي للحوثي، بينما الواقع يقول إنها باتت منتجًا سلالياً هاشمياً جماعيًا. هذا التناقض البنيوي بين منطق الوراثة ومنطق الشراكة هو ما سيحدد مستقبل الجماعة، وربما مصير سلطتها في اليمن.
*صفحته على الفيسبوك