الاعتدال يُقمع بسلاح الطائفية الحوثي

ما يحدث اليوم في جامع السنة بسعوان في العاصمة صنعاء التي تئنّ تحت وطأة حكم مليشيا الكهنوت الحوثي ليس حادثًا عابرًا، بل هو شاهدٌ جديد على حقيقة المشروع الحوثي القائم على الإقصاء والكراهية والتسلّط المذهبي، مهما حاولت التمظهر بخلاف ذلك. فحين يُمنع أهل السنة والمخالفون لمليشيا الحوثي في العقيدة والرأي من أداء رسالتهم، ويُهجَّر طلاب العلم من بيوت الله، وتُدنّس حرمة المساجد بسلاح الملثمين، فاعلم أن الطغيان قد بلغ حدًّا لا يُطاق.

إن ما يقوم به المشرف الثقافي لمديرية شعوب المدعو الأهدل من استفزازٍ وتحريضٍ طائفي، واعتداءٍ على حرمة مسجد السنة وسكن طلابه، ليس سوى ترجمة عملية لعقيدة المليشيا الطائفية التي ترى في أي فكرٍ مختلفٍ تهديدًا يجب سحقه، وفي أي صوتٍ معتدلٍ عدوًّا يجب إسكاتُه.

لقد ظل الشيخ عبدالباسط الريدي وطلابه في مسجد السنة مثالًا في الصبر والتعايش ومحاولة استرضاء المليشيا اتقاء شرّها، بل وصل بهم الأمر حدّ الإنصات مُكرهين لخطابات الحوثي وأبواقه الذين يرسلهم إلى المسجد بين الفينة والأخرى لإلقاء المحاضرات ونشر الكراهية والأباطيل والخرافات وتمجيد زعيم المليشيا، لكن رغم ذلك ظلت هذه المليشيا التي اعتادت أن ترى نفسها “الحق المطلق” لا تُطيق سماع صوت الاعتدال، ولا تطيق وجود مساحةٍ مشتركة تجمع اليمنيين على كلمة سواء.

إنها كيان طائفي غريب لا تؤمن بالتنوّع، ولا تعرف من الدين إلا غلافه الذي تتسر به لتبرير قمعها واستبدادها. تملأ المساجد بخطاب الكراهية، وتحوّل بيوت الله إلى منابر تعبئةٍ مذهبية، وتُقصي كل من يدعو إلى التعايش والحكمة، لأن مشروعها في جوهره يقوم على الهيمنة لا الهداية، وعلى الإخضاع لا الإقناع.

ما يجري في جامع السنة اليوم هو تكرارٌ لنفس المأساة التي عاشها اليمنيون منذ استيلاء الحوثيين على الدولة: ملاحقة العلماء وطلاب العلم الشرعي والدعاة إلى الله، وإغلاق المدارس، وتكميم الأفواه، وفرض وصاية مذهبية على الدين والمجتمع، حتى لم يبقَ موضعٌ للتعدد ولا مساحةٌ للحرية.

إنها معركة وعيٍ قبل أن تكون معركة سلاح.

فمن يسكت اليوم على طرد العلماء من المساجد، ويجامل المليشيا الطائفية سيجد غدًا نفسه مطرودًا من وطنه باسم “الولاية” و”الحق الإلهي” المزعوم.

*وزير الأوقاف والإرشاد