الاقتصاد اليمني يواجه ضغوطاً هائلة وأكثر من 60% من الأسر تعجز عن تأمين احتياجاتها الغذائية
كشف أحدث إصدار من تقرير المرصد الاقتصادي لليمن الصادر عن البنك الدولي أن الاقتصاد اليمني واجه ضغوطاً هائلة خلال النصف الأول من عام 2025، نتيجة الحصار المفروض على صادرات النفط، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع حجم المعونات، وسط تراكم آثار سنوات من الصراع والانقسام المؤسسي. وأوضح إصدار خريف 2025 بعنوان "التغلب على المصاعب المتزايدة وأوضاع التجزؤ المتفاقمة" أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي من المتوقع أن ينخفض بنسبة 1.5% خلال العام، في مؤشر على تفاقم أزمة الأمن الغذائي في مختلف أنحاء البلاد.
وتعاني الأسر المعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً من أوضاع اقتصادية صعبة، حيث أدى التضخم إلى تآكل القدرة الشرائية. وبحلول يونيو/حزيران، ارتفع سعر سلة الغذاء الأساسية بنسبة 26% مقارنة بالعام السابق، مع بلوغ سعر صرف الريال اليمني في سوق عدن أدنى مستوى له عند 2905 ريالات للدولار في يوليو/تموز، قبل أن تستعيد العملة شيئاً من قيمتها إلى 1676 ريالاً للدولار مطلع أغسطس/آب عقب إجراءات الاستقرار. كما يبيّن التقرير أن إيرادات الحكومة تراجعت بنسبة 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما أدى إلى خفض الإنفاق وتعطل الخدمات العامة وتأخر صرف رواتب الموظفين.
أما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فقد ساهمت الضربات الجوية على الموانئ الاستراتيجية في تفاقم أزمة نقص السيولة، وفرض مزيد من القيود على الواردات وصعوبة الحصول على السلع الأساسية. كما يواجه القطاع المالي تحديات متزايدة مع انتقال عدد من البنوك من صنعاء إلى عدن لتجنب القيود والعقوبات. وفي الوقت ذاته، تواصل المساعدات الدولية تراجعها، إذ لم يُجمع سوى 19% من التمويل المطلوب لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة حتى سبتمبر/أيلول 2025، البالغ 2.5 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عقد.
وبحسب التقرير، فإن أكثر من 60% من الأسر في مناطق الحكومة والحوثيين تواجه أزمة حادة في تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية، ما يدفع العديد منها إلى اللجوء لآليات تكيف سلبية مثل التسول.
وقالت دينا أبو غيدا، مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن، إن استعادة الاستقرار الاقتصادي تتطلب تعزيز الأنظمة التي تضمن استمرار الخدمات وحماية سبل العيش، مشددة على أن استعادة الثقة تستلزم وجود مؤسسات فعالة، وتمويلاً مستقراً، وإحراز تقدم نحو السلام للسماح باستئناف النشاط الاقتصادي.
ويتوقع التقرير آفاقاً اقتصادية "شديدة القتامة" لعام 2025، نتيجة استمرار الحصار على صادرات النفط، ومحدودية احتياطيات النقد الأجنبي، وتراجع الدعم المقدم من المانحين، ما يعوق قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية وتمويل الواردات الحيوية.
ورغم ضخامة التحديات، يسلط التقرير الضوء على إجراءات ضرورية لتعزيز الاستقرار القريب وتمهيد الطريق للتعافي الطويل، من بينها تحسين إدارة المالية العامة، وزيادة تحصيل الإيرادات، وحماية الخدمات الأساسية، وتطوير قطاع الكهرباء، إضافة إلى الحفاظ على استقرار العملة وحماية القطاع المصرفي، في إطار الإصلاحات المرحلية الواردة ضمن "خطة التنمية الاقتصادية والأولويات الملحة" المعلنة نهاية 2024.
ويخلص التقرير إلى أن المخاطر المحيطة بآفاق الاقتصاد اليمني لا تزال مرتفعة، ومع غياب تقدم حقيقي نحو السلام، يبقى التعافي صعباً ومعقداً، إلا أن نجاح أجندة الإصلاح يمكن أن يمهد لاستعادة النمو ووضع أساس متين لتحقيق تنمية مستدامة.