الفستان الذي هزّ نخوتهم وصور الجوع التي لم تهزّ شعرة في رؤوسهم: عن نساء اليمن بين تحريض المنصات وجحيم الفقر
لماذا لايتفاعل معنا احد عندما نكتب وننشر ونتضامن مع المختطفين المغيبين بسجون صنعاء منذ سنوات واشهر واخرهم سجناء ذكرى عيد ثورة ٢٦ سبتمبر وهم بالمئات ومنهم اخي عارف قطران وابنه عبدالسلام؟!
لااحد يتضامن معنا ولايهب للتعليق عندما ننشر عنهم وعن اختفائهم القسري..
وجوع اسرهم ..
وعندما نتصامن مع اعلامية تم التحريض عليها يتقافز لي مئات المعلقين حراس الفضيلة وسدنة الاخلاق والدين..
في اليمن، لم يعد الفقر مجرد أزمة عابرة، بل صار بنية يومية تعيد تشكيل الوجدان والشارع والوعي. ولم تعد مأساة النساء حدثًا استثنائيًا، بل واقعًا حيًا نراه في اربعة مشاهد صارخة:
إعلامية في قناة الجمهورية — عهد ياسين — تُلاحق وتُحاصَر لأنها ظهرت سافرة، بشعرها وساقيها.
امرأة تقف على قارعة الطريق في برد الليل، تفترش الرصيف مع أطفالها الجياع.
ومئات النساء بمدينة حجة في طوابير واسراب طويلة الساعة الرابعة فجرا نشر لهن قبل يومين فديو وهن على قارعة الطريق ،ينتظرن امام المستشفى السعودي للحصول على علاج مجاني !!
وامرأة أخرى منقبة، ملفّعة بالسواد، تجلس خلف زوجها على دراجة نارية مهترئة، تسابق الريح والجوع والخوف.
هذه الصور الاربع ليست مجرد لقطات…
إنها خريطة كاملة لوطنٍ سقطت فيه الدولة، وانكمش فيه الضمير، وارتفعت فيه أصوات الحراس الكذّابين للفضيلة.
فلماذا يتحول فستان إعلامية إلى “حرب مقدّسة”… بينما يمرّ الناس كالأصنام أمام جوع النساء، واختطاف الرجال ورميهم خلف القضبان بالسجون، وذلّ الفقر؟
من أين يأتي هذا الهوس بجسد المرأة، وهذه البلادة أمام انهيار الحياة ذاتها؟
لنبدأ من أصل الحكاية…
1. الشجاعة على الضعيف… والجبن أمام القوي
أسهل معركة يخوضها منتحلو الفضيلة وحراس الاخلاق هي الهجوم على امرأة.
لا شرطة ستلاحقهم، ولا سلطة ستسجنهم، ولا ميليشيا ستخطفهم ليلًا.
لكن الصرخة في وجه سلطة تخطف وتنهب وتعذّب؟
قد تكلف الإنسان عمره.
فهم يختارون الخصم الأضعف:
امرأة آمنة، لا تملك سوى جسدها وصوتها.
إنه هروب جماعي من مواجهة “شرف الدولة” إلى مطاردة “شرف المرأة”.
هكذا تتحول الساق إلى خطرٍ وامن قومي…
بينما الجوع، والاعتقال، والقهر… مجرد خلفيات صامتة لا تستدعي نخوة أحد.
2. مجتمع تربّى على أن المرأة ليست إنسانًا بل “ميدانًا لمعركة الهوية”
الخطاب الديني المتزمت والقَبَلي الذي صاغ وعي اليمنيين طوال قرون
ربط الرجولة بالوصاية، وربط التدين بتغطية المرأة، وربط الأخلاق بجسد الأنثى.
الرجل في هذا النموذج: لا يثبت مكانته إلا بالتحكم بالنساء.
والدعاة لا يلمعون إلا بجلد النساء.
والأحزاب لا تستعرض قوتها إلا على أجساد النساء.
تحرير المرأة عندهم ليس حقًا إنسانيًا…
بل “تهديدًا” لهوية كاملة بُنيت على قمعها.
لهذا حين تظهر إعلامية بلباس عادي…
يستيقظ القطيع.
3. لأن مواجهة الفقر والظلم تحتاج شجاعة… ومهاجمة امرأة تحتاج لسانًا فقط !
لماذا لا يغضبون للجوع؟
لأن الجوع فضيحة للدولة… وللمجتمع… وللرجال أنفسهم.
لماذا يغضبون من شعر امرأة؟
لأن الشعر لا يحمّلهم مسؤولية.
الجوع يقول لهم:
أين عملكم؟ أين عدالتكم؟ أين إنسانيتكم؟
أما فستان الإعلامية فيتيح لهم متعة خادعة:
اشتم… وارجع لبيتك وقد ظننتَ أنك “جاهدت”.
4. الرجل اليمني المقهور يمسك بما تبقى له من سلطة: المرأة
الرجل هنا بلا دولة، بلا راتب، بلا مستقبل، بلا أمن.
لم يبقَ له من سلطة إلا نوع واحد: سلطة على النساء.
لا يستطيع تغيير السياسة…
ولا اصلاح اقتصاده…
ولا حماية ابنه من الضياع والاختطاف…
لكنه يستطيع أن يقول للمرأة: غطّي شعرك.
لذلك، تحرر واستقلال المرأة اقتصاديا وفكريا في نظره هو انهيار آخر حصونه.
5. الفضيلة التي تعرّفوها… ليست فضيلة
الفضيلة عندهم ليست عدلًا، ولا كرامة، ولا حقوق إنسان.
الفضيلة عندهم قطعة قماش.
لهذا ينهار كل خطابهم الأخلاقي أمام صورة امرأة مع أطفالها تقف جائعة على قارعة الرصيف.
لأنهم لا يرون ألمها…
يرون فقط ما ترتديه.
6. السياسة الفارغة لا تجد مادة أسهل من جسد المرأة
حين تعجز السياسة عن الحوار حول: – الفساد
– الرواتب
– انهيار الصحة
– السجون السرية
– الضرائب
– الجوع
– القمع
تلجأ إلى آخر سلاح: المرأة.
إنه سلاح كل الأنظمة الدينية الفاشلة… من طالبان إلى داعش وجبهة النصرة الخ…
سلاح العاجزين.
7. المرأة خلف زوجها على دراجة… صورة تهزّ القلوب أكثر من ألف خطبة “فضيلة”
هذا المشهد الذي نراه اليوم في صنعاء — امرأة تجلس خلف زوجها على دراجة نارية مهترئة — لم يكن يومًا مشهدًا طبيعيًا.
كان يسمى عيبًا وعارًا.
صار اليوم من علامات الحياة اليومية.
لم يصرخ أحد:
هل يرضاه لأخته؟
العيب، عندهم، لم يعد الفقر…
بل عاد ليكون الفستان!
8. نساء الأرصفة… نساء القاع… نساء بلا وطن
الصورة التي احتفظ بها في هاتفي لامرأة تفترش الرصيف مع أطفالها
هزّتني أكثر من كل صور الإعلاميات.
هذه ليست امرأة “منفلتة”.
هذه ضحية مجتمع محطم، دولة غائبة، وروح مهدورة.
مرّ عليها وعلى عشرات ومئات امثالها بالشوارع آلاف “حراس الفضيلة”…
لم يتحرك فيهم شيء.
لكن حين ظهرت إعلامية ناجحة بفستان،
انفجروا.
الدين الذي يستيقظ على ساق…
وينام على جوع النساء…
دين مشوّه لا علاقة له بالرحمة.
9. وأين غيرة الغاضبين على المختطفين… والمسجونين… والمخفيين؟
عندما نكتب عن المختطفين — عن أخي عارف قطران وابنه عبدالسلام، وعن مئات من شباب سبتمبر المختفين بالسجون — يهرب الجميع.
لا غيرة.
لا سؤال.
لا “هل ترضاه لأخيك؟”.
لأن المختطف المخفي قسريا بالسجون لا يمنحهم شهرة.
والجائع لا يعطيهم لايكات.
والحقيقة ثقيلة…
بينما الفستان خفيف.
10. الجملة التي يعشقونها: “هل ترضاه لأهلك؟”
هذا السؤال ليس سؤالًا.
بل عصا.
يريدون من خلاله إغلاق الأفواه، وتحويل النساء إلى ملكيات خاصة يجب التحكم بها.
وأجيبهم:
أنا لا أملك النساء.
هن لسن جواري ولانقصات اهلية..
هن بشر… لهن حرية وكرامة وحقوق وخيارات.
الفضيلة ليست قطعة قماش.
الفضيلة أن لا ينام طفل على رصيف.
الفضيلة أن لا تُغتصب امرأة في سجن سرّي.
الفضيلة أن لا يُخطف ويسجن رجل لأنه رفع علم الجمهورية.
الخلاصة: هم لا يغارون… هم يهربون
الذين ثاروا بسبب فستان إعلامية
هم أنفسهم الذين صمتوا:
أمام الجوع
أمام القمع
أمام اختطاف الرجال
أمام إذلال النساء
أمام انتشار الدعارة والتسول والشحاذة بسبب الفقر
أمام نساء يطفن الشوارع ليلًا بلا مأوى
أمام آلاف القصص المروعة في سجون الظلام شمالا وجنوبا وشرقا وغربا..
هجومهم على المرأة ليس غيرة…
بل أرخص أشكال الشجاعة في بلد مكسور.
وهذا هو سر جنونهم الحقيقي: أن معركتهم ليست أخلاقًا… بل هروبًا من الحقيقة.
وأقولها بوضوح:
سنظل نكتب، ونفضح، ونكشف.
سجنوا الرجال…
لكنهم لن يسجنوا الحقيقة.