الضرائب والجبايات.. شريان الحوثيين الأكبر منذ سنوات (تقرير)

يعتمد الحوثيون منذ انقلابهم على السلطة الشرعية على إيرادات مالية محلية، من قبيل الضرائب والزكاة والأوقاف والجمارك، وهي مصادر أنشأوا لها هيئات مغلقة كاستحداثات مستقلة يديرونها بأنفسهم، ليصير الأمر أشبه بكيانات سلطوية ذات ترابط تنظيمي أكثر منه مؤسسي. مصلحة الضرائب بقيت بذات المسمى، بخلاف هيئتي الزكاة والأوقاف، ولكنها ـ وبالرغم من استمرارها بشكل رسمي ـ شهدت تغييرات مهمة في كل جوانبها وتفاصيلها، لتصبح جهة إيرادية تقبض ملايين الدولارات للجماعة دون شفافية ووضوح وتقارير دورية. الضرائب في مناطق سيطرة الحوثيين هي المصدر الإيرادي الضخم والشريان المتدفق بالمال، وفي المقابل هي المعضلة المؤرقة للمواطنين، والرابضة فوق كاهل التجار ورجال الأعمال ومختلف المشاريع التجارية.

جبايات بمسمى دعم "الصناعة المحلية"

قبل شهرين أصدرت حكومة الحوثيين، غير المعترف بها، قرارًا يقضي بحظر استيراد كثير من السلع التجارية المهمة مع رفع التعرفة الجمركية للعشرات من السلع بما يعادل 250%. على إثر ذلك، ذهبت قيادة الغرفة التجارية في صنعاء للاجتماع بوزارة التجارة والصناعة والاقتصاد التابعة للحوثيين لمراجعة القرار ومناقشة عواقبه. وفي الاجتماع احتد النقاش بينهم، ليقول لهم المشرف الحوثي في وزارة الصناعة: "سنفرض هذا القرار غصبًا عن الجميع" ـ بحسب ما ورد.

بعدها دعت الغرفة التجارية إلى الإضراب والرفض، ثم أصدرت بيانًا أوضحت فيه أن القرار لا يمت للتوطين بأي صلة، وبناءً على هذا تم الاتفاق على رفض القرار وعدم التعامل به. كما أكدت الغرفة التجارية أن هذه القرارات غير المدروسة سوف تتسبب في هجرة رؤوس الأموال الوطنية، وزيادة الأضرار على القوة الشرائية للمواطن، وشلل في الحركة التجارية، وارتفاع جنوني في الأسعار، وتحميل المواطن أعباء معيشية لا تُطاق.

وقالت الغرفة التجارية، في بيانها الصادر بتاريخ الأول من يوليو 2025: إن هذه السياسات تمثل بيع غرر، وتُفقد السوق مبدأ المنافسة والكفاءة في الإنتاج، وتفتح المجال أمام الاحتكار والتلاعب. كما نرفض بشكل قاطع منع أو تقييد الحصص، لما في ذلك من مخالفة صريحة لشرع الله، واعتبارها من صور الاحتكار المحرّم شرعًا وقانونًا. وعليه، فإننا في الغرفة التجارية نؤكد رفض السياسات العشوائية التي تخنق الاقتصاد الوطني، والوقوف في صف المواطن والتاجر على حد سواء، والتمسك بحقوقنا التي كفلها الشرع والدستور. ونشدد على أن المواطن هو المتضرر الأول والأخير، وأن سيادة النظام والقانون هي الضامن الوحيد لتحقيق العدالة. ونؤكد أن الغرفة التجارية تحتفظ بحق الدفاع عن حقوق التجار بكل الوسائل التي يكفلها الشرع والقانون.

ضرائب متلاحقة.. ومسميات مختلفة

قبل عام، قامت مصلحة الضرائب في مناطق الحوثيين بمطالبة التجار بتسديد فوارق ما تسمى "القوة الشرائية"، بأثر رجعي عن أعوام 2020 ـ 2021 ـ 2022 ـ 2023. وبحسب الغرفة التجارية، يحدث هذا بعد تسديد التجار لما عليهم وحصولهم على المخالصات المالية، لكنهم في ذات الوقت تفاجأوا بمطالبات الضرائب لهم بالدفع مجددًا، فيما يعني إيرادات ضخمة من دون مسوغات قانونية. وبناءً على هذا دعت الغرفة التجارية بصنعاء آنذاك التجار للمشاركة في اجتماع طارئ لمناقشة الأمر. وفي الاجتماع طالب التجار الغرفة بالتحرك واتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمساندتهم والدفاع عن أنشطتهم التي تتعرض لخسائر مالية كبيرة جراء تراجع القدرة الشرائية للناس وانخفاض المبيعات واستحالة تحقيق أرباح. وفي الاجتماع كشف التجار أن هذه المطالبات من قبل مصلحة الضرائب ستنعكس سلبًا على النشاط التجاري، وتؤدي إلى فقدان الثقة في المصلحة وإجراءاتها، وارتفاع التكاليف على الأنشطة، وتقويض رأس المال الوطني.

كم يبلغ حجم الإيرادات الضريبية في مناطق سيطرة الحوثيين؟

لا أحد يستطيع معرفة مثل هذه التفاصيل، لكنها ـ بحسب مراقبين ـ تتجاوز ألفي مليار سنويًا. يتحدد هذا بمقارنة الضرائب وقياسها بجميع المجالات: ضرائب العقارات والاتصالات والقات والمؤسسات والمنشآت والسلع والخدمات، كلها مجالات تشهد ضرائب مرتفعة وباهظة وزيادات دورية، ضمن تضخم عام وعجز مالي وتراجع اقتصادي. وفي المقابل يلجأ المطالبون بسداد الضرائب لمحاولات التكيف ورفع الأسعار، لكنهم في النتيجة يشتكون من تضاؤل هامش الربح في تجاراتهم باستمرار نظرًا للضرائب المتراكمة.

تناقض داخلي..

على سبيل المثال، فيما يخص تناقض المعلومات الرسمية، أعلنت الوحدة التنفيذية لضرائب القات قبل فترة أن إيراداتها من ضريبة القات في أمانة العاصمة باليوم الواحد تبلغ 3 ملايين وثمانمائة ألف ريال، بما يعني مليارًا وثلاثمائة وسبعة وثمانين مليون ريال في العام الواحد. ولكن في المقابل قال الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في تقرير صادر عنه إن هذه الأرقام المعلنة لا تُقارن بحجم الإيرادات الفعلية، وهذا يعكس حجم الغموض والتناقض المعلوماتي داخل السلطة الواحدة، ولكنها ـ بحسب مراقبين ـ تتجاوز مائة مليار ريال.

أرقام وإحصائيات

عند محاولة مقارنة إيرادات الضرائب في مناطق سيطرة الحوثيين بين الماضي والحاضر، ستتضح فروقات شاسعة تعكس حقائق خطيرة عن الإيرادات الضخمة. ففي العام 2014، وبحسب الموازنة العامة للدولة، كانت إيرادات الدولة آنذاك من الضرائب تبلغ 573 مليار ريال، وهي فترة لم تكن الدولة تجني فيها ضرائب ضخمة؛ إذ لم يكن التاجر يدفع أكثر من مائة ألف ريال. واليوم، وبعد سنوات طويلة من التعقيدات والصراع، صارت الضرائب بما يقارب 500%، وهو ما يعني آلاف المليارات. ومن ناحية متصلة، يتحدث خبراء عن مقارنة أخرى، ففي العام 2006 كانت شركة كمران للتبغ تبيع باكت الكمران بـ 50 ريالًا فقط، وبالمقابل تدفع ضرائب مبيعات بلغت 11 مليارًا وثلاثة وأربعين مليونًا ومائتين وثمانين ألف ريال. هذا في العام 2006، فيما يبلغ سعر باكت الكمران اليوم ألفًا ومائة ريال، بزيادة تتجاوز المعقول. فكم إذن ستكون عائدات الضرائب منها؟

شماعة تحسين الإيرادات

ذكرت عدة مصادر محلية في أمانة العاصمة قبل قرابة عام أن مصلحة الضرائب التابعة للحوثيين فرضت زيادة عامة في الضرائب تصل إلى 500% تحت مسمى تحسين الإيرادات، موجهة مدراءها في جميع إدارات الضرائب بالاهتمام المكثف بالتحصيل، ومراقبة المكلفين، وتفتيش سجلاتهم وبياناتهم بدقة، وملاحقة المتهربين، واتخاذ إجراءات قاسية بحقهم. نحن بدورنا تواصلنا مع عدة مصادر تعمل في مصلحة الضرائب للحصول على تفاصيل أكثر. أحد مديري الإدارات التحصيلية وافق أن يجيبنا عن عدة أسئلة واستفسارات، وطلب منا أن نمهله عدة أيام، لكنه تواصل معنا في اليوم التالي ليعتذر، مبديًا تخوفه من أي تصريحات. بعدها لجأنا إلى خبراء اقتصاديين، تحدثنا معهم بشكل عام حول إيرادات الضرائب ومصارفها وفساد مصلحة الضرائب وقطاعاتها، ومنهم استطعنا الخروج بهذا التقرير الصحفي.

الزيادات الضريبية الأخيرة شملت مختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وتتفاوت من حيث النسب التي لم تتضح بعد، ولكن ضريبة العقارات هي النسبة العليا، وأقل منها بنسب متفاوتة عمليات الاستيراد والتصدير، ثم تأتي بعدها التجارة المحلية والزراعة. هذه القرارات جاءت بعد أسابيع من فرض زيادة في الضرائب المفروضة على زراعة وتجارة نبتة «القات» في محافظتي الحديدة وحجة إلى 150%.

ضريبة القات نموذجًا

يجدر بنا هنا الإشارة إلى أن حكومة المليشيا الحوثية كانت قد أقرت خلال العام الماضي تغيير طريقة تحصيل ضريبة القات المعمول بها منذ عقود، والتي كان يجري بها تحصيل مبلغ ثابت عن كل شاحنة تنقل القات إلى أسواق المدن، واستبدلت بها فرض مبلغ مالي عن كل كيلوغرام من القات، مستحدثة نقاط تحصيل في مختلف الطرق، وشملت إجراءاتها الأرياف والقرى النائية والبعيدة. ومنذ أشهر رفعت حكومة الحوثي الضريبة المفروضة على القات من أكثر من نصف دولار أميركي إلى ما يقارب الدولار الواحد عن كل كيلوغرام، حيث كانت تفرض 300 ريال عن كل كيلوغرام، لتصبح 500 ريال.

في حديث خاص، يقول أحد مزارعي القات العنسي في محافظة ذمار: "لقد رفعوا ضرائب القات العنسي بشكل مبالغ فيه، وأكثر بكثير من ثلاثة أضعاف الضرائب السابقة، مما تسبب بوقفات احتجاجية وإضراب كبير للمقاوتة. وهذا نتج عنه ارتفاع أسعار القات وعجز واضح في معظم أسواق صنعاء". من جهة متصلة، أحد المقاوتة تواصل بنا وشرح بعض التفاصيل قائلًا: "لقد جعلوا تحصيل ضرائب القات العنسي والحدا بالكيلو، بحيث يكون الكيلو الواحد بـ 700 ريال، وهذا يتجاوز أضعاف الضرائب السابقة. سيارة القات الواحدة كانت تدفع في النقطة الأمنية الواحدة ما يقارب 8 آلاف ريال، واليوم أصبحوا يطلبون 50 ألف ريال، بحيث تصل إجمالي ضرائب القات الحدا باليوم الواحد إلى ما يقارب 5 ملايين ريال، وإجمالي ضرائب القات العنس ما يقارب 7 ملايين ريال، ومن ناحية أخرى، إجمالي ما يتم تحصيله باليوم الواحد في نقطة الضبر الأمنية ما يقارب 8 ملايين ريال، ونقطة سيان الأمنية ما يقارب 5 ملايين ريال".

هذه المبالغات في التحصيل والضرائب قوبلت برفض كبير من المزارعين والمقاوتة، وأحدثت ـ بحسب مصادر ـ اشتباكات بالأيدي في إحدى النقاط الأمنية بين الطرفين، مما تسبب في اختطاف عدة أشخاص من مزارعي ومقاوتة الحدا. من ناحية أخرى قال أحد بائعي القات: "هذا ظلم وجور ومبالغات كبيرة، ظلم شديد وتجاهل للناس وأخذ أرزاق الآخرين بلا وجه حق، وعليه سيعود الثمن على المواطنين بشكل أو بآخر".

خاتمة:

لا يمر عام على حياة اليمنيين في مناطق الحوثيين دون تكرار متزايد لأحاديث الضرائب ومبالغ الإيرادات. ففي كل فترة ترتفع الأرقام وتزداد الحملات ويثقل كاهل المواطنين، ويلجأ التجار للمغادرة، ويهرب رجال الأعمال برؤوس أموالهم، دون أن تظهر معالجات رسمية ولو في مستوياتها الدنيا. لتصبح الضرائب هاجس المواطنين الراضخين بمناطق سيطرة الحوثيين، تقابلها تسريبات دائمة تتحدث عن مبالغ ضخمة وأرقام مهولة يجنيها الحوثيون من الضرائب ولا يصرفونها في مصارفها النافعة للناس، لتستمر حكاية اليمنيين ضمن تفاصيل الانقسام والفقر والصراع الطويل.