اليمن.. الطفولة المنسية بين التطييف الحوثي والتجنيد

اليمن، حيث تمتد الحرب بلا رحمة منذ سنوات طويلة، تقف الطفولة على شفير مأساة مستمرة، مأساة تتجاوز الانقطاع عن التعليم أو نقص الرعاية الصحية، لتصل إلى اختطاف المستقبل نفسه من بين أيدي الأطفال. هنا، في مدارس تغطيها سيطرة ميليشيا الحوثي، لم تعد الصفوف الدراسية مجرد أماكن للتعلم، بل تحولت إلى ساحات للتلقين الطائفي وإعداد جيل صغير ليصبح أداة في أيدي التطرف والعنف.

الطفل اليمني، الذي يفترض أن ينشأ في بيئة تضمن له العلم والمعرفة، يجد نفسه مضطراً لحضور مناسبات طائفية، وترديد شعارات الولاء، والمشاركة في فعاليات تحت مسمى الولاء والبراء للمشروع السلالي، بينما تُسلب منه حقوقه الأساسية في اللعب، التعلم الحر، والتفكير المستقل. لم تعد المناهج مجرد كتب، بل أدوات لإعادة تشكيل وعيه منذ سن مبكرة، مع ترويج للعنف، وتبرير للحروب، وغرس الولاء لمشروع طائفي بغيض.

وفي هذا السياق، يصبح تجنيد الأطفال الوجه الأكثر قتامة في الأزمة. فالطفل الذي كان يفترض أن يكون في ملعب المدرسة، أو يمسك قلماً على دفتره الدراسي، يُجبر على حمل السلاح أو الانخراط في تدريبات شبه عسكرية. يستخدم التحفيز الديني والسياسي والطائفي لإقناعه بأن المشاركة في القتال واجب وطني وديني، بينما يهدد الرافضون بالعقاب أو الاستبعاد، تاركاً لهم خياراً واحداً بين الخضوع أو الخطر. 

هذه العملية لا تنتهك الطفولة فحسب، بل تدمر مستقبل المجتمع بأسره، فجيل اليوم هو قائد الغد، وإذا تربى على الخوف والعنف والولاء الأعمى، فلن يكون السلام أو التنمية أو الدولة المدنية إلا أحلاماً بعيدة المنال.

الأثر النفسي والاجتماعي لهذه السياسات كارثي. الأطفال الذين خضعوا للتلقين الطائفي أو شاركوا في أنشطة عسكرية يعانون من صدمات نفسية عميقة، انعزالية، شعور دائم بالتهديد، وعجز عن التواصل مع أقرانهم خارج نطاق الصراع.

بل كثير من جرائم القتل تتم في مناطق سيطرة الحوثيين هي لفتيان وشباب تلقوا لتدريبات عسكرية وغسل عقولهم في دورات حوثية والأطم في الأمر أن معظم تلكم الجرائم كانت قتل أحد الوالدين أو أحد الأقرباء.

 أما التحصيل العلمي فقد أصبح ضحية لهذه الانتهاكات، فالطالب الذي يفترض أن يتقن القراءة والكتابة والعلوم، يجد نفسه محاطاً بدروس في الولاء والانتماء الطائفي العبثي الخرافي، بينما تُسلب منه أدوات التفكير النقدي والحر.

ومع ذلك، كان هناك بصيص أمل، يتمثل في جهود محلية محدودة تحاول حماية الأطفال وتوفير تعليم مدني بعيداً عن التجييش الطائفي. مدارس خاصة ومنظمات مدنية تعمل على إعادة الأطفال الذين تم تجنيدهم إلى مقاعد الدراسة، وتقديم الدعم النفسي لهم، لكن هذه الجهود واجهت صعوبات جمة في ظل سيطرة الميليشيا على مؤسسات الدولة والأحياء السكنية، وغياب الأمن والاستقرار.

المجتمع الدولي أيضاً كان  بدأ يرفع صوته، حيث أكدت منظمات حقوقية مثل اليونيسيف وهيومن رايتس ووتش خطورة تجنيد الأطفال وتطييف التعليم، داعيةً إلى وضع آليات رقابة صارمة على المناهج، ومحاسبة المسؤولين عن انتهاك حقوق الأطفال، وإطلاق برامج لإعادة التأهيل النفسي والتعليمي لهم. لكن الضغط الدولي، رغم أهميته، يبقى محدوداً أمام الواقع الميداني القاسي، خصوصاً مع موجة الاختطافات الحوثية لمعظم العاملين في المجال الآن والحقوقي في مناطق سيطرتها وفى مقدمتهم موظفي المنظمات الأممية كما تستمر الميليشيا في فرض سيطرتها على كل مفصل من حياة الطفل اليمني.

اليمن اليوم يقف أمام مفترق خطير. إن استمرار التطييف وتجنيد الأطفال لا يعني فقدان الطفولة فحسب، بل يهدد مستقبل الدولة والمجتمع. فالجيل الذي يُحرم من التعليم الحر والآمن ويُدرب على الولاء الأعمى لا يستطيع أن يكون قوة للبناء، بل يصبح جزءاً من دائرة العنف المستمرة. حماية هذا الجيل مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية عاجلة، تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية، توفير التعليم المدني، وإعادة الأطفال إلى الحياة الطبيعية بعيداً عن سطوة الحرب والطائفية.

اليمن بحاجة إلى أن نرى طفولته تُحترم، أن نعيد للمدارس حرمتها، أن نحمي اللعب والكتب والأحلام من كل من يريد أن يحولها إلى أدوات صراع. فالطفولة اليمنية ليست مجرد مرحلة زمنية، بل هي مستقبل الأمة، وحين تُسلب الطفولة، يسلب الوطن نفسه.