تصاعد الجريمة في إب وسط انفلات أمني وسيطرة حوثية تهدد السلم المجتمعي

تشهد محافظة إب، وسط اليمن، تصاعداً خطيراً في معدلات الجريمة بمختلف أشكالها، بما في ذلك القتل، التفجيرات، الانتحار، الاعتداءات الأسرية، والاعتداءات المسلحة العشوائية على المدنيين. ويأتي هذا الارتفاع في ظل انفلات أمني غير مسبوق وسيطرة مليشيا الحوثي على الأجهزة الأمنية والقضائية، مما أسهم في تعطيل أي جهود لحفظ النظام وفرض القانون. 

وتشير مصادر محلية وإعلامية إلى أن الجرائم لم تعد مجرد أحداث فردية، بل أصبحت جزءاً من واقع الحياة اليومية في المحافظة، مع تأثير مباشر على السكان الذين يعيشون في خوف دائم من العنف، وتدهور واضح في السلم الأهلي والأمان المجتمعي.

تصاعد الجرائم وحوادث مأساوية

في الأسابيع الأخيرة، شهدت إب سلسلة من الحوادث المأساوية التي سلطت الضوء على الانفلات الأمني، أبرزها انتحار شاب في عزلة المسيل بمديرية فرع العدين، وهو ضمن سلسلة من جرائم الانتحار التي طالت فئة الشباب والأطفال، ما يعكس حجم الضغوط النفسية والاجتماعية على الشباب في ظل البطالة والفقر المستشري. 

كما سجلت المحافظة حادث رمي مسلح لقنبلة داخل مجلس أسري، أدى إلى إصابات بين أفراد الأسرة والجيران، في مشهد يعكس تحول الخلافات اليومية البسيطة إلى أعمال عنف مسلح.

بالإضافة إلى ذلك، تم اغتيال ضابط أمني حوثي، وحوادث ووفاة مسؤول حوثي في إحدى مديريات المحافظة بظروف غامضة، وتشمل الحوادث الأخرى اعتداء مسلحين حوثيين على مسن في مديرية جبلة، والعثور على طفل مشنوق في ظروف غامضة في مديرية السياني، وجرائم قتل داخل الأسرة، مثل قتل شقيق لأخيه واستهداف المسعفين بقنبلة، إلى جانب جريمة قتل فتى في مديرية الظهار في ظروف غامضة يوم أمس السبت  مع فرار القاتل. 

هذه الوقائع تظهر أن الجرائم في المحافظة لم تعد محدودة بأحداث فردية، بل هي مؤشر على تحول المجتمع إلى بيئة محفوفة بالعنف وغياب أي رادع فعال.

أسباب ارتفاع معدل الجريمة

بحسب حقوقيين أكدوا أن هناك عدة عوامل رئيسة ساهمت في ارتفاع معدل الجريمة في محافظة إب بشكل واضح. 

أولها انفلات السلاح وانتشاره بين المدنيين، حيث بات السلاح متاحاً على نطاق واسع، مما يؤدي إلى تصاعد حدة النزاعات وتحويلها بسرعة إلى اعتداءات مميتة. ثانيًا، تؤثر عودة العناصر الحوثية من الجبهات المسلحة وتجاربهم القتالية على المجتمع، حيث يتحول العنف والخبرة القتالية إلى أدوات لحل النزاعات الشخصية أو العائلية.

 ثالثًا، تلعب سيطرة مليشيا الحوثي على الأجهزة الأمنية والقضائية دورًا مركزيًا في ارتفاع الجريمة، إذ إن المليشيا تضعف سلطة القانون وتشجع ثقافة الإفلات من العقاب، بينما يحصل بعض المرتكبين على حماية مسلحة أو دعم قبلي، ما يعزز شعورهم بالتحرر من المسؤولية القانونية.

كما تسهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في دفع بعض الأفراد إلى ارتكاب جرائم سرقة أو احتيال أو اعتداءات، نتيجة ارتفاع البطالة والفقر وتدهور مستوى المعيشة. إضافة إلى ذلك، تؤدي الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاختطافات، إلى فقدان السكان للثقة بالقانون وتحول النزاعات الفردية أو المجتمعية إلى أعمال عنف وانتقامية، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني. كما يؤكد مختصون أن الضغط النفسي والاجتماعي المستمر على السكان، وخاصة الأطفال والشباب، يفاقم الميل نحو العنف ويجعل المجتمع أكثر هشاشة أمام أي نزاعات بسيطة.

الأثر الاجتماعي للمأساة

ينعكس ارتفاع معدل الجريمة على المجتمع المحلي بشكل مباشر، حيث فقد السكان الثقة ببعضهم وبالجهات الرسمية المسؤولة عن حفظ الأمن، وانتشر شعور بالخوف من البلاغ أو التدخل في الحوادث، ما دفع بعض الأسر إلى الهجرة الداخلية أو التكتّم عن الجرائم خوفاً من الانتقام.

 كما أن الأطفال والشباب أصبحوا أكثر عرضة للصدمات النفسية، وظهر تدهور واضح في النسيج الاجتماعي نتيجة انتشار العنف بشكل يومي، ما يعمّق حالة التوتر والخوف بين السكان ويؤثر على قدرة المجتمع على تنظيم نفسه داخلياً وتطبيق الضبط الاجتماعي.

مؤشرات مخيفة 

يشير الواقع في محافظة إب إلى أن ارتفاع معدل الجريمة ليس مجرد أحداث عشوائية، بل نتيجة واضحة لانفلات أمني منهجي وسيطرة مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة. 

ويضاعف ذلك انتشار ظاهرة حمل السلاح واستخدامه في الخلافات الشخصية. ويؤكد ناشطون وجهات قانونية ضرورة تدخل عاجل لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتفعيل سيادة القانون، وتوفير حماية فعالة للمدنيين، إلى جانب دعم المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لتوثيق الجرائم وملاحقة مرتكبيها وفق القانون الدولي.

 كما يجب معالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تدفع الأفراد إلى ارتكاب الجرائم، من خلال توفير فرص عمل، دعم برامج إعادة التأهيل، وتعزيز شبكة حماية اجتماعية فعالة، لضمان حماية المجتمع المدني واستعادة الأمن والاستقرار في المحافظة على المدى الطويل.