الهجرة الداخلية القسرية في إب.. قرى تُفرغ من شبابها ومدن عاجزة عن الاستيعاب
تشهد محافظة إب، وسط اليمن، تصاعداً مقلقاً في وتيرة الهجرة الداخلية القسرية، في ظاهرة لم تعد تقتصر على النزوح من الأرياف إلى مركز المحافظة ومدنها، بل امتدت بشكل متزايد إلى الهجرة نحو محافظات تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، بالتوازي مع موجات هجرة خارجية غير نظامية، في ظل ممارسات القمع، والتجنيد الإجباري، والانتهاكات الواسعة التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق السكان، وبصورة خاصة فئة الشباب.
بحسب مصادر محلية متطابقة، تشكل حملات الاستقطاب والتجنيد القسري، إلى جانب الجبايات المالية المفروضة تحت مسميات متعددة، أحد أبرز أسباب مغادرة الأسر لمناطقها في محافظة إب.
وتؤكد المصادر أن الشباب باتوا الهدف الأول لهذه الحملات، ما دفع كثيراً من العائلات إلى اتخاذ قرار الرحيل سراً، تفادياً لملاحقات أمنية أو خشية الزج بأبنائها في جبهات القتال.
من الأرياف إلى المدن: نزوح داخلي يفاقم الأزمات
داخل المحافظة نفسها، تتجه موجات النزوح من المديريات الريفية نحو مركز إب وبعض المدن الرئيسة، بحثاً عن فرص عمل أو خدمات أساسية مفقودة في القرى. غير أن هذا التحرك السكاني السريع خلق ضغطاً كبيراً على المدن، التي تعاني أصلاً من ضعف البنية التحتية وشح الموارد، ما أدى إلى ارتفاع الإيجارات، وانتشار السكن العشوائي، وتزايد البطالة بين الوافدين الجدد.
نزوح سياسي وأمني نحو مناطق الحكومة الشرعية
لم تعد الهجرة مقتصرة على نطاق المحافظة، إذ اتجهت أعداد متزايدة من أبناء إب إلى محافظات تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، مثل مأرب وتعز وعدن، باعتبارها أكثر أمناً نسبياً. ويصف مراقبون هذا النمط من التحرك بأنه نزوح سياسي وأمني غير مُعلن، يضاف إلى النزوح الاقتصادي والخدمي، ويعكس حجم الخوف الذي يعيشه السكان في مناطق سيطرة الحوثيين.
ريف بلا شباب.. الزراعة على حافة الانهيار
أدى هذا النزوح المركب إلى تفريغ متسارع للقرى من فئة الشباب، ما انعكس بشكل مباشر على النشاط الزراعي، الذي يُعد مصدر الدخل الرئيس لغالبية الأسر الريفية في إب.
وتشير تقديرات محلية إلى تراجع ملحوظ في الإنتاج الزراعي، واتساع رقعة الفقر، مع اعتماد متزايد على المساعدات أو التحويلات المحدودة، في ظل غياب اليد العاملة الشابة.
مدن مُثقلة وخدمات عاجزة عن الاستيعاب
في المقابل، تواجه المدن المستقبِلة، سواءً داخل إب أو في المحافظات الأخرى، ضغوطاً متزايدة على الخدمات الصحية والتعليمية والمياه. مدارس مكتظة، مرافق صحية تعاني نقص الكوادر والأدوية، وأسواق عمل عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن رزق، كلها مؤشرات على أزمة حضرية متفاقمة قد تقود إلى توترات اجتماعية وأمنية.
الهجرة الخارجية غير النظامية.. طريق الهروب الأخير
ومع انسداد الأفق داخل البلاد، يلجأ عدد متزايد من شباب إب إلى الهجرة الخارجية غير النظامية عبر التهريب إلى المملكة العربية السعودية.
رحلة محفوفة بالمخاطر تبدأ من طرق صحراوية وعرة، مروراً بعصابات تهريب لا تتردد في الابتزاز، وانتهاءً باحتمالات الموت عطشاً، أو التعرض لإطلاق النار، أو الاعتقال. ورغم هذه المخاطر، يظل هذا الخيار حاضراً لدى كثيرين بوصفه الفرصة الأخيرة للنجاة من واقع قاسٍ.
نزيف بشري وتحذيرات من تفريغ المحافظة
يحذر مراقبون وناشطون حقوقيون من أن استمرار هذا النزيف البشري سيحول محافظة إب إلى منطقة طاردة لسكانها، بعد أن كانت إحدى أكثر المحافظات كثافة سكانية واستقراراً نسبياً. ويؤكدون أن غياب أي حلول حقيقية، واستمرار سياسات القمع والتجنيد، ينذر بتداعيات ديموغرافية واقتصادية خطيرة على المدى المتوسط والبعيد.
أزمة إنسانية مركبة تتطلب تدخلاً عاجلاً
وتؤكد مجمل هذه المؤشرات أن الهجرة الداخلية والخارجية من محافظة إب لم تعد خياراً فردياً أو ظرفياً، بل أزمة إنسانية مركبة تتطلب تدخلات عاجلة، تبدأ بوقف التجنيد القسري والانتهاكات، وتوفير الحماية للشباب، ودعم سبل العيش في الريف، وتعزيز قدرة المدن على الاستيعاب، قبل أن تتحول المحافظة إلى فراغ بشري واقتصادي يصعب احتواؤه.