حدث في اليمن.. عريس خلف القضبان
عبدالسلام عارف قطران: حلمٌ اغتاله "الإخفاء القسري" وصرخة أمٍّ وزوجة تنتظر الجواب.
في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن يقطف ثمار كفاحه، وأن يعيش أجمل أيام شبابه في "عش الزوجية" الذي بناه بعرق الجبين، وجد الشاب عبدالسلام قطران نفسه رهين عتمة الزنازين، وخلف قضبان باردة لا تعرف الرحمة، تاركاً خلفه قلوباً تعتصرها لوعة الفراق ومرارة المجهول.
*فرحة لم تكتمل*
عبدالسلام، ذلك الشاب المكافح الذي تصفه الصورة وتعرفه عائلته، لم يكن يحمل في يده سوى أحلامه البسيطة بحياة كريمة ومستقبل آمن. جفت بئر والده الارتوازية ،وعطش العنب وتصحرت الارض ،فعجز عن مواصلة دراسته الجامعية بعد ان كان قد سجل ودفع الرسوم بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء ..
احبط فباع بنادق ابيه وتزوج قبل أشهر قليلة،من اختطافه وكانت الزغاريد لا تزال تتردد في أرجاء منزله، ورائحة الفرح لم تغادر ملابسه بعد. لكن يد الظلم كانت أسرع من أحلامه، فاختطفته من وسط فرحته، وحولت "شهر العسل" إلى كابوس من العذاب والانتظار.
كان قد سافر الى عدن وقطع جواز وقرر البعد عن الديار والهجرة لطلب الرزق والحصول على لقمة العيش بالاغتراب بالمملكة العربية السعودية ،ولكنه عجز عن ايجاد قيمة رسوم الفيزة ..
وكان يتطلع للبحث عن من يقرضه قيمة الفيزة وهيء نفسه للاغتراب ..
فباغتته قيود وسلاسل السجان وغيبته خلف الشمس بدون اي ذنب..
*ثلاثة أشهر من "الموت البطيء"*
تشير المعلومات التي تصرخ بها الصورة إلى واقع مأساوي؛ أكثر من ثلاثة أشهر مرت على اختطاف عبدالسلام وتغييبه قسرياً. تسعون يوماً وليلة، وعائلته لا تعلم عن مصيره شيئاً. هل هو حي؟ هل هو مريض؟ هل ينام؟ أم أن القهر ينهش روحه كما تنهش الحيرة قلوب محبيه؟
إن جريمة "الإخفاء القسري" ليست مجرد احتجاز لحرية جسد، بل هي عملية اغتيال نفسي بطيء لكل من يحيط بالضحية. إنها تترك الأم، والزوجة العروس، والأب، معلقين بحبال واهية من الأمل، يتقلبون على جمر الانتظار، لا هم يملكون رفاهية الحزن على فقيد، ولا هم يملكون فرحة الاطمئنان على حي.
*دموع خلف القضبان*
الصورة المرفقة لا تظهر فقط وجه عبدالسلام بملامحه اليمنية الأصيلة وملابسه التي تعكس هويته، بل تظهر في الخلفية عيوناً باكية تذرف الدمع قهراً. تلك العيون هي اختصار لحكاية أسرة كاملة سُرق منها عائلها وفرحتها. تلك الدموع هي لغة العجز أمام جبروت القوة، وهي الشاهد الصامت على حجم الظلم الذي وقع على شاب لم يقترف ذنباً سوى أنه أراد أن يعيش.
كفى ظلماً.. صرخة في وجه الصمت
"كفى ظلماً".. عبارة ذُيلت بها الصورة، لكنها ليست مجرد شعار، بل هي صرخة مدوية تخرج من حناجر المكلومين. إنها رسالة لكل ضمير حي، ولكل مسؤول، ولكل منظمة إنسانية:
إلى متى يستمر هذا العبث بأعمار الشباب؟ وبأي ذنب يُحرم شاب في مقتبل العمر من حريته ومن أسرته ومن عروسه التي لم تفرح به بعد؟
إن قضية عبدالسلام قطران ليست مجرد قصة فردية، بل هي مأساة إنسانية مكتملة الأركان، تستوجب وقفة جادة للكشف عن مصيره وإعادته إلى أهله سالماً. إن استمرار تغييبه هو وصمة عار، وتكريس لقانون الغاب حيث يغيب القانون وتحضر المعاناة.
عبدالسلام قطران.. اسمٌ ينتظر العدالة، وأسرة تنتظر عودة الروح لجسدها.. فهل من مجيب؟