11 فبراير.. 14 عاماً من النكبة ودمار الدولة وأحلام اليمنيين

بينما يعيش اليمن على أنقاض دولة ممزقة وشعب مسحوق اقتصادياً حتى العظم، يحتفل قادة "نكبة" 11 فبراير 2011 من قصورهم الفاخرة في عواصم عربية وعالمية، متناسين واقع نحو 40 مليون يمني يكابدون الجوع والفقر. هؤلاء البسطاء لا يجدون إلا رفع أيديهم للسماء، أملاً في معونة دولية قد تسد رمق جوعهم أو جرعة دواء تنقذ حياتهم.

يحتفل قادة هذه النكبة بيوم كان بداية لانهيار وطنهم، فيما أكثر من 5 ملايين يمني أُجبروا على النزوح بسبب الحرب والقمع والممارسات الأمنية، ليجدوا أنفسهم في العراء بلا مأوى، لا نصير لهم إلا قيظ الصيف وصقيع الشتاء.

لم تكن أحداث 11 فبراير 2011 مجرد حراك سياسي، بل شكلت نقطة تحول كارثية دفعت البلاد إلى هاوية الفوضى والانهيار. وبينما تصدّرت الشعارات الثورية المشهد، لم يدرك كثيرون أنها ستؤدي إلى تفكيك الدولة، وإشعال الحروب، وتقويض كل مقومات الاستقرار التي بُنيت عبر عقود.

ومع تفكك الجيش اليمني تحت مزاعم "الهيكلة"، وجدت المليشيات الطائفية والسياسية الفرصة سانحة لتوسيع نفوذها، وكان انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر 2014 النتيجة الأكثر كارثية لهذا المشهد.

بحسب مراقبين وسياسيين، لم تُبنَ دولة حديثة كما زُعم، بل تحول اليمن إلى كنتونات متناحرة، يفرض كل طرف سلطته على جزء من البلاد، وينهب موارده لصالحه، تاركاً الشعب يتجرع ويلات الجوع والفقر بلا رواتب منذ أكثر من سبع سنوات.

تفكك الدولة

أدى تفكك الدولة إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق، حيث فقد الريال اليمني أكثر من 900 بالمئة من قيمته، ليرتفع سعر صرف الريال السعودي من 50 ريالاً قبل 11 فبراير إلى 600 ريال حالياً. أما أسعار المواد الغذائية، فقد تضاعفت أكثر من 15 مرة، في حين بقيت الرواتب كما هي منذ عقد، ما دفع الملايين إلى حافة الفقر والمجاعة.

لكن الكارثة لم تتوقف عند الاقتصاد، بل امتدت إلى تفكيك النسيج الاجتماعي، حيث تفاقمت حالات الانتحار وجرائم العنف الأسري، وارتفعت معدلات الجريمة، وسط انتشار المخدرات والفوضى الأمنية. واستغلت الجماعات المتطرفة هذا الفراغ لنشر أفكارها، ما أدى إلى نشوء أجيال مشوهة فكريًا ودينيًا.

قادة من المنفى

يقول مهتمون بالمشهد السياسي اليمني، إن الغريب في الأمر أن قادة "نكبة 11 فبراير" لا يزالون يحتفلون بهذا اليوم، زاعمين بلا خجل أنه "ثورة"، رغم أنهم يقيمون في الخارج، في قصور فارهة، تاركين الشعب لمصيره تحت وطأة الانقلاب والفوضى.

ويتساءل كثيرون: كيف لقادة ثورة أن يهربوا من بلادهم ويتركوها للانهيار، ثم يظهرون بعد 14 عاماً على استمرار هذا الانهيار ليقولوا إن الثورة "مستمرة"؟ وهل استمرارها إلا إدانة لفشلها الذريع؟

إمبراطوريات المال

بعد أن باتت الكارثة واضحة، بدأ بعض قادة حزب التجمع اليمني للإصلاح يعترفون علناً بأن ما حدث كان "نكبة" بحق اليمن. لكن في المقابل، استغل آخرون الفوضى للوصول إلى السلطة وتأسيس إمبراطوريات اقتصادية في الخارج، بينما نقلوا أسرهم إلى دول آمنة، تاركين اليمنيين لمواجهة مصيرهم المجهول.

وعبر الشيخ عبد الوهاب العديني، المحسوب على حزب الإصلاح، عن هذه المأساة قائلاً: "ما رأيت أعجب من شخص هدم بيته بنفسه ثم يحتفل بهذا الدمار الشامل ثقافيًا وأخلاقياً وتشريعياً وسياسياً واجتماعياً".

كما تهكم على القيادات الإخوانية بقوله: "14 سنة وثورتنا مستمرة.. والبلد ينهار ديناً ودنيا.. طيب، راجعوا أنفسكم وقيموا مساركم!".

ثورة أم لعنة؟

هل هناك ثورة في العالم لا تأتي بما هو أفضل مما ثارت عليه؟ كيف يمكن تسميتها "ثورة" إذا كان النظام الذي أسقطته يوفر كيس القمح بـ3 آلاف ريال، بينما اليوم أصبح بـ51 ألف ريال؟ وهل يعقل أن تكون نتيجة "الحرية" هي إغلاق ونهب جميع المؤسسات الإعلامية المستقلة، وفتح مئات السجون لاعتقال الصحفيين والحقوقيين والمطالبين بحقوقهم؟

في هذا الصدد، يقول الدكتور عبد الوهاب الروحاني في مقاله "فبراير.. إذا ابتليتم فاستتروا!": "الغريب، والمضحك المبكي في آن، أنه بعد 14 عاماً من ثورتهم التي أنتجت القتل والخراب والتفريط بالسيادة، لا يزالون يقولون بلا حياء إن ثورتهم مستمرة!".

ويضيف: "كيف يستمر ثوار في التشدق بالثورة وهم غارقون في الفساد حتى آذانهم، ويمارسون الفوضى، ويبيعون الوطن مقابل المال؟ الثورة التي يسرق قادتها قوت الشعب ليست ثورة.. بل خيانة!".

بعد 14 عاماً من أحداث 11 فبراير، لم تجلب هذه الأحداث سوى الدمار والخراب، بينما يستمر قادتها في الاحتفال من الخارج، متناسين أن الثورة الحقيقية لا تُقاس بالشعارات، بل بما تحققه من استقرار وأمان ورفاهية للشعب.